العلاقة الجدلية بين السياسة العالمية والعلاقات الدولية

1

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
مفهوم السياسة العالمية كما هو واضح يتكون من شقين هما، شق السياسة وشق العالمية، وكبقية العلوم التي ترتبط بالتفاعل البشري أو بوصفها نشاطا إنسانيا فإنه يصعب كثيرا تعريف السياسة العالمية التعريف المانع الجامع. لذا فإنه لا يوجد تعريف متفق أو مجمع عليه بين علماء وأساتذة العلوم السياسية لمفهوم السياسة العالمية.
ونجد أن أقرب تعريف بالنسبة لنا لمصطلح السياسة العالمية هو أنها: العلم أو الفن أو الوسيلة التي تدار وتساس وتنظم بها التفاعلات والتعاملات والمصالح بين مختلف الفاعلين العالميين عبر أدوات ووسائل مختلفة ومتنوعة ليس بالضرورة أن تكون سياسية.
أما شق العالمية فإنه ـ وكما هو واضح ـ يرتبط بمفهوم العالم، ولا يقتصر على مفهوم الدول أو الوحدة السياسية كما هو في السياسة الدولية، بالتالي تختلف السياسة الدولية عن السياسة العالمية والتي تتجاوزها إلى ما هو أبعد عن تلك العلاقة التي تربط بين دولة وأخرى أو تنظم وتدير التفاعلات والتعاملات والمصالح بين الدول بعضها ببعض فقط، فالسياسة العالمية ترتبط بمسائل السلطة الاجتماعية والاقتصاد والثقافة والأمن وغير ذلك من الروابط المتداخلة، وهي تعد بذلك أحد أنماط قضايا الصراع العالمي.
بالتالي فإن الاختلاف بين مفهوم السياسة الدولية والسياسة العالمية (يعكس اختلافا حول طبيعة الفاعلين الذين يشكلون الأطراف التي تصنع تلك التفاعلات أو “الأحداث” أو “الشؤون” أو “العلاقات”.)(1), وهي ما يمكن التمييز من خلاله بين المصطلحين أو المفهومين.
ما يصور السياسة العالمية بمظهر الحلبة الأكبر والأوسع والأشمل التي تختلط فيها كل مظاهر ومفاهيم وصور الصراع الشامل والمتداخل على السلطة والقوة والهيمنة بين مختلف الفاعلين والمؤثرين العالميين بطريقة فوضوية، لا يمكن بحال من الأحوال السيطرة عليها أو تنظيمها أو إدارتها أو سياستها بشكل شبه كامل كما هو حال السياسة الدولية، وبالتالي فإن السياسة العالمية هي مصطلح أشمل وأعم من السياسة الدولية، وأن هذا الأخير ليس إلا مظهرا من مظاهره، وصورة من صوره.
أما بالنسبة لمفهوم العلاقات الدولية ـ وكما هو واضح ـ فإنه يشمل مفهوم العلاقات ومفهوم الدولية، وبالتالي فإنه يستخدم من الناحية القانونية لوصف وتحديد تلك العلاقة الرسمية بين الدول ذات السيادة في مختلف الجوانب ذات التبادلات أو التداخلات المشتركة، سواء السياسية منها أو القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغير ذلك، ويمكن تعريف مفهوم العلاقات الدولية على هذا الأساس كذلك بأنه مجموعة التفاعلات والسلوكيات والتصرفات التي ينتج عنها علاقات بين الدول.
من خلال ذلك نجد التداخل المباشر والصريح بين حقل العلاقات الدولية والسياسة العالمية، وبتشبيه بسيط فإن السياسة العالمية والعلاقات الدولية أشبه بالدائرة الكبيرة اللامتناهية التي يقف في منتصفها مختلف الفاعلين العالميين سواء الدول أو المنظمات أو الأفراد أو غير ذلك كمؤثرين ومحركين للسياسة العالمية، ونتاج أو أثر ما تفرزه تفاعلاتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم وسياساتهم المباشرة أو الارتجاعية من علاقات بين الدول على وجه الخصوص.
وبمعنى آخر فإن العلاقات الدولية هي نتاج طبيعي لتلك السياسات والأنشطة والأحداث والتفاعلات التي تحدث على الساحة العالمية، وأن السياسات العالمية الراهنة هي نتاج ارتجاعي لعلاقات معينة بين مجموعة الفاعلين العالميين سواء كان أولئك الفاعلون أفرادا أو جماعات أو تنظيمات أو دولا، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان أو زمان معرفة أيهما يسبق الآخر أو أيهما نتاج الآخر، أو أيهما جاء ونشأ قبل الآخر في النظام العالمي، بحيث يمكن التأكيد على استحالة نشوء علاقة دولية دون وجود محرك ومحفز منبثق عن حقل السياسات العالمية كما تم تعريفه سابقا، سواء كانت تلك السياسة هي نتاج سلوكيات أفراد أو تصرفات منظمات عالمية أو سياسات دول، وسواء كانت تلك السياسات والسلوكيات والتصرفات اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك، كما يستحيل كذلك وجود سياسة عالمية لا ينتج عنها علاقة تفاعلية أو تبادلية أو اعتمادية بين الدول والوحدات السياسية القائمة بشكل مباشر أو ارتجاعي.
وهذا ما يوصلنا إلى نتيجة مهمة للغاية في هذا السياق وهي أنه من الخطأ الفادح أن لا يلاحظ إلا سلطة واحدة في النظام العالمي اليوم وهي سلطة وسلطان الدولة ونفوذها وقوتها، في حين أنها ليست إلا إحدى السلطات ومظاهر القوة والسلطان الموجودة في المجتمع الدولي، حيث تتعايش سلطة الدولة في “السياسة الدولية” مع سلطة الأفراد والمنظمات وقدرتهم على التأثير في الكثير من السياسات والتوجهات والمرئيات في “السياسة العالمية”.

التعليقات معطلة.