العلماء وبديل المستورد

2

إيمان رسلان تكتب
أثناء أزمة كورونا اكتشفنا وتساءلنا جميعًا عن أهمية وجود صنع في مصر، بعد أن توقف الاستيراد تمامًا لعدة شهور؛ لأزمات في سلاسل وأماكن التوريد، فالأزمة خلقت أيضًا عددًا من الأسئلة المهمة، لاسيما عن موقع مراكز البحث العلمي في خريطة العلم وأبحاثه وتطويرها؛ تمهيدًا إلى التحول ليصبح هناك منتج مصري من البحث العلمي ويخرج من جدران المعمل إلى الوجود الحقيقي.

ففي مبادرة جديدة تستحق أن نلقي الضوء عليها وتشجيع استمرارها قامت بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتحمل عنوان “بديل المستورد” وتختص بخروج بعض من كنوز الأفكار العلمية القابعة بالمعامل وحجرات الدرس بمعاهدنا البحثية إلى حيز العلن أي الإعلان عنها وعن إنتاجها للجمهور؛ لِنُغلق الحلقة المفقودة بين العلم والتطبيق.

وفائدة هذه المبادرة، التي طُرحت أيضًا على صفحات المراكز البحثية، هي التعريف بما يُنتج من أبحاث، ثم منتج نهائي، ويمكن أن تؤدي إلى حلول علمية في القطاع الصناعي والأدوية وغيرهما، ولا نقول نصل إلى الاكتفاء الذاتي، ولكن في الحد من تكلفة الاستيراد المرتفعة والتي تؤثر على الاقتصاد.

المبادرة المستحدثة قليلة التكلفة المادية تقدم خدمة معرفية مهمة للغاية للقطاع التطبيقي المستفيد من المنتج العلمي والبحثي؛ وذلك عبر سد الفجوة التي كادت أن تصبح مزمنة لدينا في العلاقة بين البحث العلمي وتطبيقاته الفعلية، وهو ما يستلزم وجود خريطة مُعلنة له، وربط ذلك بمشروعات للاستثمار، وليكن الصغير والمتوسط واستحداث برامج تمويلية أو شراكة في التمويل مع قطاع البنوك مثلًا، لخروج هذه التطبيقات إلى النور أو عمل الشراكة مع شركات الأدوية لاستخدام هذه المنتجات التطبيقية المهمة، ولو على سبيل البدايات بمنح الحوافز مثل الإعفاء من الضرائب أو تخفيضها.

التجربة الجديدة في الإعلان عن منتجات البحث والمعاهد البحثية قامت بها مؤخرًا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وبدأت بالكشف عن منتجات بديلة للمستورد يمكن إنتاجها بمصر، خاصة في مستلزمات قطاع الدواء والمستشفيات، وكان باكورة الأعمال والإعلان من المركز القومي للبحوث؛ بخروج منتج مصري من الأبحاث الخاصة لاستخدامات قصب السكر، الذي نزرعه بوفرة، والذي ثبت علميًا أن قصب السكر تقوم عليه عشرات الاستخدامات والمنتجات بجانب إنتاج السكر، أي أنه يعوض مشكلة زراعته التي تحتاج إلى وفرة في الماء.

المنتج هو إنتاج السليلوز الذي يدخل في صناعة كافة الأقراص الدوائية التي تمثل أغلب المتداول من الدواء؛ سواء الدواء العلاجي أو غيره، وهذا البحث الجديد يمثل ركيزة لتصنيع الدواء في مصر، الذي نستورده بالكامل من الخارج وبالعملة الصعبة.

الحلقة الثانية كانت خاصة بمستلزمات المستشفيات، وهي إنتاج مادة لمعالجة أزمات المرضى من الحروق وقرح الفراش، وهو ما كانت تستورده مصر أيضًا من الخارج لسد حاجة المستشفيات وللأفراد، خاصة من كبار السن.

أذكر أنني منذ عدة سنوات قليلة تحاورت مع د. هاني الشيمي بعد أن فاز بالجائزة التقديرية وهو أحد خبراء مصر القلائل في زراعة محصول الفول الصويا، وهو محصول ومكون رئيسي لعلف الدواجن والحيوانات وغيرها، والذي نستورده بنسبة كبيرة للغاية، وقد استعانت به اليابان وكرمته نتيجة جهوده وأبحاثه في تحسين ورفع نسب إنتاج فول الصويا، وهو من المنتجات الرئيسية بأغلب دول آسيا والعالم، فعاودت الاتصال به مرة أخرى، فقال لي إنه الآن يقدم بالفعل جهوده من خلال مبادرة جديدة وحديثة بمصر فتفاءلت خيرًا.

وكذلك تذكرت جهود د. مصطفى السيد في أبحاث النانو والعلاج بجزيئات الذهب بالشراكة مع المركز القومي للبحوث، ولا أعرف مصير هذا المشروع الذي تابعته وكتبت عنه أيضًا، وكان من نتيجة أفكار العلم وتطبيقه أنه منذ سنوات قليلة أن قدمت جامعة القاهرة اقتراحًا لتعديل تشريعي لقانون الجامعات يعطي صلاحية للجامعات ومراكز البحوث في إقامة شراكات وشركات من أجل استخدام هذه الأفكار والمنتجات لتدخل حيز التطبيق وتعود بالنفع على الجامعة والباحثين، وهو ما تم بالفعل؛ لأن الاهتمام بالبحث العلمي ليس رفاهية، بل هو صميم الأمن القومي للمواطن والوطن في كفة واحدة، وربما تكون خطوة التعريف بالبحث العلمي وإنتاجه أحد أدوات المساعدة في تمويله الذي يحتاج للكثير والكثير، بجانب النص على نسبة 1% لتمويله طبقًا للدستور.

أعلم أن واقع البحث العلمي وعلمائنا لاسيما الشباب منهم بعدما أصبح يتطلع كثيرًا للسفر خارج الوطن، وليس في ذلك مانع من تصدير العلم والعلماء المصريين، ولكن أيضًا يمكن ببعض الآليات الحقيقية والنزيهة في العمل وبالحوافز أن نجذبهم للمشاركة لبعض الوقت أو شهور في تعاون بحثي مهم في الداخل؛ لأنهم بالفعل يمثلون كنزًا في الخارج ونتمنى في الداخل أيضًا.

مبادرة الإعلام والإعلان عن البحث العلمي وإنتاجه تستحق الدعم، وإن تأخرت كثيرًا فالأفضل أن تأتي في نهاية الأمر؛ لأنها تساعد مصر على الحد من فاتورة الواردات والتي تبلغ المليارات بالعملة الصعبة، لكنها في نفس الوقت تثير قضية هل لدينا خريطة متكاملة لأفكار ومنتجات البحث العلمي في مراكزنا البحثية وهي كثيرة وتضم المئات وربما الآلاف من الباحثين، ينتجون أفكارًا ولكنها تحتاج إلى خريطة طريق عبر أمل ودعم ولو عبر الإعلان والاهتمام بها، ومن المفترض تاريخيًا أن تساهم أكاديمية البحث العلمي في تقديم يد العون والخطط والدعم، وأن يتحول دورها إلى مُنظِم حقيقي ومُبتكر للعمل والتنسيق وطرق الأبواب؛ لتطبيق أفكار علمائنا؛ وهي الحلقة المفقودة التي نعاني منها بين البحث العلمي وتطبيقاته، ولذلك تأتي المبادرة لإعطاء الأمل لعلمائنا في الداخل والخارج أيضًا، وأتمنى أن تُستنسخ إلى مجال الأطروحات بمجال العلوم الإنسانية، وهي قوة مصر الناعمة الحقيقية، وألا يُستهان بها لحساب احتياجات سوق العمل فقوة مصر في القوى الصلبة والناعمة معًا.

التعليقات معطلة.