علي حسين
أثار المقال الذي نشرته أمس في هذا المكان بعنوان ” لمذا خسرت القوى المدنية ” انزعاج البعض ، وشتائم البعض الآخر وسخرية مَّن يعتقد أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ، وأن ما ينشر عن المال السياسي والمحسوبية والانتهازية مجرد شائعات مغرضة الهدف منها الإساءة إلى تجربتنا الديمقراطية العظيمة التي من بشائرها أنها تمنح رواتب مليونية لنواب البعض منهم لم يتخط عتبة المجلس سوى مرات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، والبعض الآخر يغط في نوم عميق لمدة أربع سنوات يتمتع فيها بالامتيازات والمقاولات ويستجم وسط بحر من فوضى التصريحات ، شعارات هنا وخطب هناك ، فالهدف النهائي الاستفراد بالسلطة، وتقريب الأحباب والأصحاب، وتحويل الدولة إلى أحزاب يسهر على خدمتها جميع العراقيين، فما الذي جناه الناس من برلمان يعيد إلى مسامعهم الخطب نفسها كل أربعة أعوام وتمتلئ شاشات الفضائيات بمعارك تاريخية غير مسبوقة، فيما تتحول جلساته إلى مناكفات شخصية ومشاحنات بين الجميع، غابت المعارضة الحقيقية كما غابت في كل الدورات السابقة ، لأن الجميع يريد أن يضع قدماً في السلطة والأخرى في إحدى دول الجوار ، الكل في معسكر واحد هو معسكر البقاء على المقاعد، وإن اختلفت وسائل البقاء، البعض يعتدل ليبقى والبعض الآخر يمانع ليبقى أيضا، فهم ينتمون إلى واقع سياسي لا يفرق بين الممانعة والاعتدال، وهم يختلفون في درجة قربهم من المنافع وليس في درجة قربهم من الناس.
لا أظن أن صاحب ضميرٍ يمكن أن يرى في انتخابات كالتي تجري في بلاد الرافدين ، طوق نجاةٍ للعراق والعراقيين، فهذة الانتخابات الهدف منها تشكيل برلمان يتلقى اوامره من رؤساء الكتل وليس من الناخبيين وبالتالي فالبرلمان سيؤدي دوراً، رسمه قادة الأحزاب، ولا يعنيه رضا الشعب .
تُعرِّف الأمم المتحضرة، أو التي يتمتّع ساستها بالحد الأدنى من الحسّ الإنساني والوطني، البرلمان بأنه المكان الذي يجتمع عليه كل المواطنين، في هذا البلد أو ذاك، ليجعل حياة الجميع أفضل، من خلال إحداث نوعٍ من النهوض المتكامل، يستهدف الارتقاء بحياة المواطن العادي، وإنعاش حظوظه في العيش بكرامة، في ظل ساسة يحترمون حقوقه الأساسية في الحرية والعدل والعمل.. لكن للأسف ما نتابعه في جلسات برلماننا يؤكد أن بنية النظام السياسي في العراق لا تريد أن تغادر حالة الصفقات .
كانت الناس تأمل ببناء مجتمع يتسع للجميع، لكن الواقع يقول إن البلاد لم تعد تتسع إلا لأصحاب الصوت العالي، وهذا ما جعل منطق الإقصاء أو الإلغاء يسري في الحياة السياسية التي لم تعد تحمل من السياسة سوى اسمها فقط، حيث تحولت إلى وكالة تجارية تدار بمنطق الغنائم، وإن المعارك التي يخوضها البعض في الفضائيات ليست على بناء نظام سياسي حقيقي، وإنما على من يحصل على امتيازات الصفقة ومنافعها.

