اخبار سياسية عالمية

«العُزلة» أمُّ الاختراع.. ابتكارات تكنولوجية محليّة الصنع في كوريا الشمالية

 

تسنيم فهيد

الإنسان هو سيد كل شيء ومقرر كل شيء

تتمحور عقيدة «الجوتشيه»، المذهب الأيديولوجي والعقيدة الرسمية لكوريا الشمالية، والتي تعني حرفيًّا روح الاعتماد على الذات، حول مبادئ ثلاثة، هي: استقلال في السياسة (جاجو)، اكتفاء ذاتي في الاقتصاد (جارب)، دفاع ذاتي في الدفاع الوطني (جاوي). وبسبب تحمّسهم الدائم إلى إثبات تفوقهم على خصومهم الغربيين، يسعى النظام الكوري إلى المبالغة في إنجازاته ومدى اكتفائه الذاتي بابتكاراته محليّة الصنع، التي تضعه على قدم المساواة التكنولوجية مع بقية العالم.

التقرير التالي يأخذنا في جولة إلى عالم التكنولوجيا الكورية الشمالية، وابتكاراتها المحلية التي قد تبدو للبعض نسخًا مكرّرة من منتجات أجنبية أخرى، لكنها في النهاية منتجات «وطنية»، تحمل البصمة الكورية الشمالية.

«أريرانج».. الهاتف الذكي الذي ليس ذكيًا على الإطلاق
في أغسطس (أب) عام 2013، أعلنت كوريا الشمالية عن إطلاق هاتفها الذكي «أريرانج»، الذي يحمل اسم أغنية من الفلكلور الكوري. وظهر رئيس البلاد كيم جونج أون، وهو يتفقّد الهواتف المُصنّعة، أثناء زيارته لمصنع بيونج يانج في العاصمة الكورية الشمالية، وعلق عليها قائلًا: «إن صنع هاتف يعتمد على التكنولوجيا المحلية، سيعزّز من الكبرياء والفخر بالذات، لدى الشعب الكوري». فيما عقّبت وكالة الأنباء الكورية المركزية على هذا الخبر آنذاك؛ بأنّ تطوير التكنولوجيا يعمل على إنقاذ اقتصاد البلاد، الذي يعاني من حالة تدهور.

وبعد الإعلان عن الهاتف الذكي المصنّع محليًّا، قال خبير التكنولوجيا مارتن ويليامز، على مدوّنة «نورث كوريا تك»: «إنّ الصور التي تم تداولها عبر وكالة أنباء الكورية المركزية، تُظهر هواتف مُصنعة (منتج نهائي)، دون وجود صورة واحدة لخطوط الإنتاج أو خطوات التصنيع، وشكّك ويليامز في قيام كوريا بتصنيع هذا الهاتف، وألمح إلى احتمالية تصنيعه في الصين والزعم بأنه مُنتج كوري محلي، خاصة وأنه تصميمه يُطابق تصميم الهاتف الصيني Uniscope U1201».

فيما قال خبراء الكمبيوتر الكوريون الجنوبيون، إن كوريا الشمالية قويّة بما فيه الكفاية في مجال تكنولوجيا البرمجيات، وسبق وأن أطلقت هجمات إلكترونية أفسدت المواقع المصرفيّة والحكوميّة في كوريا الجنوبية، مؤكّدين على أن الجارة الشمالية، أظهرت اهتمامًا مستمرًّا بتكنولوجيا الكمبيوتر منذ أوائل الثمانينات، لكنهم عادوا وألمحوا إلى أنها قد تواجه صعوبات في تأمين المكوّنات الضرورية لهذا الإنتاج الضخم الذي تم الإعلان عنه.

وجدير بالذكر أن الوصول إلى شبكة الإنترنت العالميّة مقيّد بشدة في كوريا الشمالية، إذ لا يُسمح إلا بالوصول إلى المواقع الإلكترونية المعتمدة من الحكومة، وتعمل على متصفحات ومحركات بحث وبرامج بريد إلكتروني خاصة بالبلادـ، ولا يمكن للهواتف المحمولة المستخدمة في الشبكة المرخص لها من الدولة، إجراء أي مكالمات دولية.

«Red Star OS».. نظام تشغيل الحاسوب الذي يراقب الجميع
في عام 2002، أعلنت كوريا الشمالية عن تطويرها لنظام تشغيل الحاسوب الآلي الخاص بها، كي لا تضطرّ لاستخدام باقي أنظمة التشغيل المطوّرة بأيدي عدوتها اللدودة أمريكا مثل ويندوز. وأطلقت عليه اسم Red Star OS في إشارة إلى النجمة الحمراء التي تتوسط علم البلاد، ويُشبه Red Star OS نظام التشغيل Mac OS X بشكل فعلي، لكنّه في الحقيقة توزيع مُعدّل بشكل كبير، من نظام التشغيل Linux.

ويرى الخبراء في مؤتمر هامبورج أن تطوير كوريا الشمالية لنظام تشغيل خاص بها، يعود إلى ارتيابها الدائم من التجسس عليها والتحكم فيها عبر اختراق أنظمة الحاسوب في الوزارات والمؤسسات الأمنية، بالرغم من سهولة اختراق هذا النظام، بحسب الخبراء الذين استطاعوا التحصل على نسخة من نظام التشغيل، وفكّ شفرته.

وأوضحوا أيضًا أن امتلاك كوريا الشمالية لنظام تشغيل خاص بها، يتيح لها إحكام قبضتها الأمنية على البلاد، وتعقّب ومنع أي تحويلات مالية من الخارج للمواطنين، وكذا منع تحميل الأفلام والكتب والموسيقى الأجنبية الممنوعة على مواطني كوريا الشمالية. وأشاروا أيضًا إلى قدرة نظام Red Star على «وضع علامة مائية» على الملفّات من أجل تتبع توزيعها؛ مما يسمح للدولة باتخاذ إجراءات صارمة ضد وسائل الإعلام الأجنبية التي يتم نقلها باستخدام وحدات النقل والتخزين الصغيرة (USB flash drive)، وأنه أيضًا مقاوم للعبث؛ فإذا حاول المستخدم إجراء أي تغييرات مثل تعطيل جدار الحماية، يقوم الكمبيوتر بإعادة تشغيل نفسه تلقائيًا.

وجدير بالذكر أن لنظام التشغيل «OS ـRed Star»، متصّفح خاص به، يعرف باسم «Naenara»، وهو يشبه إلى حد كبير متصفح «Mozilla Firefox».

السيارة «Junma».. دُرّة التاج في خطوط إنتاج «بيونجهوا موتورز»
يُمكن القول إن السيارة «جونما»، هي دُرّة تاج خط التصنيع المعروف باسم «LUXURY» في شركة «بيونجهوا موتورز»، والتي تمتلك حصريًّا حقوق إنتاج السيارات، وبيعها في كوريا الشمالية، وهي أيضًا الشركة الوحيدة التي تملك حق إدارة وتشغيل لوحات الإعلانات في البلاد.

والسيارة جونما التي لا يُسمح إلا لكبار المسؤولين الحكوميين بقيادتها (غير مسموح لعامة الشعب بقيادة السيارات في كوريا الشمالية) وتبلغ قوّة محركها 197 حصانًا، نسخة مقلّدة عن السيارة مرسيدس بنز الفئة E، التي صُنِّعت في التسعينات، وتنتج شركة بيونجهوا موتورز العديد من السيارات الأخرى التي تتشابه إلى حد كبير مع شكل ومواصفات السيارات التي تُصنع في البلدان الأخرى، وتختلف أنواع السيارات ما بين سيّارات دفع رباعي، وأخرى سيدان، وسيارات رياضية.

الرشاش الآلي الخفيف من «طراز 73» الذي يقتل حول العالم
يُعد الرشاش الآلي الخفيف من طراز 73، واحدًا من أهم الأسلحة المستخدمة بواسطة الجيش الكوري الشمالي، الذي يسلح جنوده في المقام الأول بنسخ من الأسلحة السوفيتية القديمة.

وتصميم هذا السلاح الناري مستمدّ من أسلحة الكتلة الشرقية، بجسم يشبه مدفع رشاش PK السوفيتي، وآلية تغذية Vz.52 التشيكوسلوفاكي، ويمسك بمقبض خشبي وعقب، وهو بعيد كل البعد عن ملحقات البلاستيك المركب الخفيف الوزن الموجودة في معظم المدافع الرشاشة الحديثة.

أما الأمر المثير للدهشة فهو مشاهدة هذا السلاح في أيدي المسلحين في أفريقيا والشرق الأوسط، وتجدر الإشارة إلى أن إيران كانت قد تلقّت العديد من الأسلحة من كوريا الشمالية خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم عُثر في وقت لاحق على هذه الأسلحة الكورية الشمالية في مناطق القوّات الموالية للأسد في الحرب السوريّة، وكذلك مع المتمردين الحوثيين في اليمن، لكن لا يُعرف على وجه الدقة، هل تعود هذه الأسلحة المعثور عليها في أفريقيا إلى الشحنة القديمة التي تلقتها إيران، أم أن إيران قامت بإنتاج كميات كبيرة من الرشاش الآلي الخفيف طراز 73، من خلال مصانعها؛ الأمر الذي قد يُفسر انتشار هذا السلاح على نطاق واسع.

«موسودان».. الصاروخ الباليستي متوسط المدى الذي يهدد أمريكا
الصاروخ الكوري الشمالي مستوحى من الصاروخ R-27 Serb السوفيتي، وتختلف مواصفات الصاروخ بشكل كبير؛ إذ يتراوح طوله من 12 إلى 19 متر، ويبلغ قُطر الجسد حوالي 1.5 إلى مترين، و يتراوح وزن الإطلاق بين 19 ألف إلى 26 ألف كج؛ ويبلغ مداه من 2500 إلى 4 آلاف كم، وله رأس حربي واحد تزن حمولته حوالي 1200 كيلوغرام، ويستخدم وقود السائل من مرحلة واحدة أو مرحلتين، ويستطيع أن يضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ.

وتشير بعض التقارير إلى أن إيران كانت قد اشترت 18 صاروخًا من طراز موسودان، من كوريا الشمالية في عام 2005، وفي عام 2009 ظهرت تقارير إضافية فيما يتعلق بالربط الصاروخي بين كوريا الشمالية وإيران، موضحة أن أجزاءً من موسودان تم نقلها إلى إيران.

وفي عام 2016 واصلت كوريا الشمالية تطوير قدراتها الصاروخية؛ إذ طورت صاروخ «موسودان»، وفي عام 2017 أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا عابرًا للقارات يعد الأكثر تطورًا على الإطلاق، ويصل مداه للولايات المتحدة، وذلك بعد توقّفها لمدة شهرين عن تجاربها الصاروخية.