مقالات

الغباء.. داء بلا دواء

فوزي رمضان
صحفي مصري

غباء أن ترى حمقى يهرولون وراء ثور هائج كي يناطحهم أو يقتلهم، وحمق أن ترى أغبياء يدمنون كل ما هو غث وخبيث ومنكر يقتلهم، وهطل أن ترى جهلاء يفضلون الخرافات والأوهام والخزعبلات في تفسير الوقائع وأمور الحياة، وإنكار مبدأ السببية الواقعية، ورد الوقائع إلى أسباب وهمية واهية! ما أغبى أن يقتل الإنسان نفسه ويدمر بيئته ووطنه.. تمادى الغباء ليصبح مراتب ومنازل، وتخصصات وشعبا، ولا حدود للغباء البشري.
كل شيء له نهايته، الشاب يشيخ، والجهل يتلاشى بالعلم، والمرض يشفى بالطب، إلا الغباء يستمر للأبد؛ داء بلا دواء، وورم بلا استئصال. وإذا كان الذكاء يعزل الأفراد فإن الغباء يجمع الحشود دون أن تعي السبب أو المسبب.. قد يكمن الغباء البشري عبر خوف الإنسان من التغيير، أو الخوف من المستتر أو الغد الذي لا يعرفه، وغالبا يكمن الفرق بين الدول المتطورة والدول المتخلفة في قلة نسبة الأغبياء، حيث لا يشغل المتقدم إلا التغيير والتطوير والابتكار والتعمير والبناء والتعلم، والبحث فيما وراء الجدر واستطلاع ما وراء الغد، والتطلع إلى ما وراء الأفق.
قد يكون هناك نوع من الغباء الخلقي الناتج عن النقص في التكوين البيولوجي للدماغ، ليس لصاحبه أي ذنب فيه، ما يسمى في الطب بالقصور العقلي الذي يمنع صاحبه من ممارسة المهارات الطبيعية، لكن ما بالك بمن هو كامل التكوين الدماغي، ويمتلك كافة الأدوات البشرية التي تجعله يفكر قبل كل لحظة غباء، أو يتريث قبل الإقدام نحو كارثة حمقاء، أو يتحدث عن جهل، أو يتصرف عن رعونة، لكنه يفعلها دائما مرة تلو أخرى؟!
تقريبا علماء الاجتماع قد حددوا بعض ملامح الشخص الغبي؛ كونه لا يتعلم من أخطائه مهما حدث، من لا يرى من الآخرين سوى وجوههم، دون منجزهم؛ الغبي غالبا هو الإنسان معدوم الخيال، ينظر إلى السطح دون التعمق في داخله، هو من يجادل بغير علم، ويظن نفسه يمتلك مفاتيح وأجوبة وألغاز كل شيء في الكون.
يوضع الإنسان في أربعة أطر تشرح سلوكه من حيث تفاعله مع الآخرين، من حيث التأثير، ويصنف إما مغفلا أو لصا أو ذكيا وإما غبيا.. كيف؟ إذا قاد تأثير شخص ما على آخر إلى خسارته ومنفعة الآخر فهذا مغفل، وإذا قاد تأثير هذا الشخص إلى منفعته وخسارة الآخر فهذا لص، وإذا قاد تأثير الشخص على الآخر بالمنفعة المزدوجة فهذا ذكي. أما إذا قاد تأثير هذا الشخص على الآخر بالخسارة المشتركة فهذا إنسان غبي.
ولما كان للأغبياء التأثير الخطير على المجتمع بأكمله؛ كونهم يلقون بالمجتمع كله إلى الهاوية، فهم أخطر من قطاع الطرق واللصوص، لذا وضع العلماء قواعد خمسا للغباء البشري، وصنفها البروفيسور سيبولا وتنحصر في الآتي: دائما ما يستهين الجميع بعدد الأغبياء من حولنا، الغباء شيء منفصل تماما عن الصفات الشخصية لنفس الشخص، الشخص الغبي يسبب خسائر للآخرين، في حين أنه يضر نفسه أيضا، قد يستهين الأشخاص بالقوة التدميرية لدى الأشخاص الأغبياء، الشخص الغبي هو الأكثر خطورة على الإطلاق، سواء عن وعي أو دونه.
خضع الغباء للبحث والتحليل لمعرفة كيفية الوصول إلى طرق تعامل مدروسة مع الأغبياء، لا لتغييرهم أو شفائهم من داء الغباء، لكن فقط للحد من تأثيرهم القاتل على حركة تطور المجتمعات ونموها، لكن في نفس الوقت يخشى العلماء أيضا من وجود طفرات غباء بدأت تظهر في دماغ الإنسان المعاصر، تجعله أقل ذكاء بسبب التقدم التكنولوجي والاجتماعي، تلك الطفرات ساهمت باهتراء القدرات العقلية والعاطفية لدى الإنسان، فقد أغنته التكنولوجيا عن التفكير وعن حل العمليات الحسابية، ومع ذلك تأثيرها طفيف للغاية، أما الإنسان المبرمج بشريحة من الغباء غير المحدود فهو الذي يشل ذكاء التكنولوجيا ويعطل سباق التطور.