“ذي هيل”
اختفى [هذا الأسبوع] الصحفي السعودي المنفي البارز جمال خاشقجي! عند كتابتي هذه السطور، فإما أن يكون في القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث ذهب للحصول على وثيقة، أو تم نقله جواً إلى المملكة العربية السعودية، مع تواطؤ السلطات التركية أو بدونها.
ومثلي مثل العديد من الصحفيين أو الدبلوماسيين الآخرين الذين يشمل عملهم [القضايا المتعلقة بـ ] المملكة، أَعْتبِر خاشقجي كجهة اتصال له وجهات نظر مثيرة للاهتمام، وكصديق أيضاً. فبعد أن بعثتُ له رسالة بالبريد الإلكتروني قائلاً إنني أُعجبتُ بـ المقابلة التي أجراها مع صحيفة “الإيكونوميست” في 26 تموز/يوليو، أجاب: “شكراً، يجب أن نلتقي قريباً لنعوّض عما فاتنا، متى تتسنى لك الفرصة”. سأعود في الرابع من آب/أغسطس”. ولكني كنتُ في سفرة خلال معظم ذلك الشهر، وجاء أيلول/سبتمبر ومر سريعاً. بصراحة تامة، لا أظن أننا سنتناول الغداء سوية قريباً.
كانت الخطيئة المحتملة لخاشقجي هي انتقاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة. ففي مقابلة أجرتها معه مجلة “الإيكونوميست”، قال خاشقجي: “أنا أكتب مقالة في سبيلها إلى الصدور، أُشير فيها إلى سبب احتياج محمد بن سلمان إلى صحافة حرة. … فولي العهد يشارك في تحول اقتصادي كبير. وبما أنه لا يوجد شخص يجادل هذا التحوّل، [أو] يناقشه، فلن يرى ولي العهد عيوب هذه التحوّلات”.
وفي مقالة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” في 7 آب/أغسطس، كتب خاشقجي: “… إن عدم الانتقاد يخلق جواً من شأنه تمكين الحكام السلطويين من إنكار الحقوق المدنية لشعوبهم”.
وقد أظهر خاشقجي بعض التعاطف مع الإسلام السياسي أيضاً. ففي مقالته في “الواشنطن بوست” في 28 آب/أغسطس، كتب: “لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي وديمقراطي في أي بلد عربي دون القبول بأن الإسلام السياسي يشكل جزءاً منه. … يبدو الأمر واضحاً … إن السبيل الوحيد لمنع الإسلام السياسي من لعب دور في السياسة العربية هو إلغاء الديمقراطية، التي تحرم المواطنين أساساً من حقهم الأساسي في اختيار تفضيلاتهم السياسية”.
وتتناقض هذه السطور مع [شخصية] محمد بن سلمان، الذي يبدو لبعض المراقبين استبدادياً إلى حد كبير ويعارض بشدة الإسلام السياسي. إن التكرار الأخير لمعارضته هو عقد مؤتمر بعنوان “التقارب الثقافي بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي”، تنظمه “رابطة العالم الإسلامي” التي تمولها السعودية في مدينة نيويورك يومي الخميس والجمعة هذا الأسبوع. (يأمل المرء بأن يناقش الحضور مصير خاشقجي).
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة والكثير من دول العالم أن رفض محمد بن سلمان للإسلام السعودي المتشدّد من الطراز القديم، إن لم يكن الإسلام المتطرف، يشكل إضافة هائلة، إلّا أن سجله في السياسة الخارجية غير متناسق. وكما أخبرني دبلوماسي أوروبي في الأسبوع الماضي، لا يستطيع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن الانتصار في الحرب هناك من دون وقوع “ضحايا وإصابات غير مقبولة في صفوف المدنيين”. ولا يزال الصدع مع قطر مستمراً. كما لم تدم الاستقالة القسرية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري فترة طويلة. أما الضجة الأخيرة مع كندا فلا تزال في مرحلة الألقاب غير المحببة. فوفقاً لما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: “نحن لسنا جمهورية الموز”.
إذا تم التأكد من أنه قد تم احتجاز خاشقجي و/ أو إعادته جواً إلى السعودية، فمن الواضح أن محمد بن سلمان لم يأخذ في عين الاعتبار الآثار المحتملة لهذه الخطوة في واشنطن، حيث يعيش خاشقجي. وقد يقلل بن سلمان أيضاً من تأثير هذه الإجراءات على مناخه الاستثماري – فهو يريد استثمارات غربية ويحتاج إليها. أما المستثمرون فقد يرحبون بحكومة قوية، لكنهم لا يحبون عدم القدرة على التنبؤ وأي شيء قد يزعج حملة الأسهم. لذا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يفكره بن سلمان؟ وكما قال لي دبلوماسي أوروبي: “أنا أعلم ما يقوله محمد بن سلمان. لا أعلم ما الذي يفكره.”
وعلى الأقل، فإن اختفاء خاشقجي الظاهر، إذا كان مرتبطاً بانتقاداته للمملكة، قد يوحي بأن المملكة العربية السعودية الجديدة لا تزال حساسة للغاية. وعلى الرغم من السنوات العديدة التي أكتب فيها عن المملكة، ورغم إصداري دراستين عن الخلافة الملكية (“بعد الملك فهد” و “بعد الملك عبد الله”)، لم أحصل أبداً على تأشيرة لزيارة السعودية. وقد أخبرني أحد أصدقائي السعوديين ذات مرة: “نحن نتحدث عن الخلافة طوال الوقت، ولكن لماذا يجب عليك تدوينها؟”
قبل بضعة سنوات، كنت في اجتماع في واشنطن مع مسؤول سعودي بارز أنهى حديثه بالقول: “إذا كان أي شخص هنا يريد الحصول على تأشيرة، ليخبرني وسوف أساعده على الحصول عليها.” أجبته، “هل ستساعدني في الحصول على تأشيرة؟” أجاب: “سنمنحك تأشيرة، ثم سنبقيك”. وضحك الجميع، إلّا أنا.