آراء
عبد اللطيف السعدون
–
عندما يتجه المشهد العراقي ليكون أكثر سوريالية وتعقيدا، وتوشك “العملية السياسية” التي تجاوز عمرها العقدين أن تتداعى ينبري رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الدعوة الموالي لإيران نوري المالكي محاولا إيقاظ الفتنة النائمة من خلال تحريضه “شيعة العراق، والحشد الشعبي، وإيران، والعشائر” للتوجه نحو سورية، لإنقاذ “أتباع أهل البيت (من) مجازر تطاولهم”، زاعماً، في خطابه أخيراً في تجمع عشائر كربلاء، أن حكام سورية الجدد “لم يسفكوا الدماء فحسب، بل اعتدوا حتى على الأعراض”، لم ينس أيضا أن ينذر العراقيين من أن “داعشيين وبعثيين” يخطّطون لفعل مثل ذلك في العراق، ومحاولا طمأنتهم بتأكيده أن سلاحه في يده!
المالكي، وهو يؤدّي مهمته الموكلة إليه باحترافية عالية، لم يوفق في تجييش “رأي عام” وراء هدف إثارة فتنة يحلم أن تمنحه رصيداً يؤهله لنصر انتخابي يعيده إلى قمة السلطة، وقد اعتاد أن يفعل فعلته هذه من قبل، وفي كل مرّة كان لا يحصد سوى الخيبة والخذلان، ويعرف العراقيون كم كان ميكافيلليا ومتذاكيا عندما ذهب برجليه إلى السفارة الأميركية في بغداد ليقسم لهم أنه سوف ينفذ كل ما يريدونه، و”ليقدم قائمة بلغت 13 نقطة من التنازلات عارضا خدماته كمرشح لرئاسة الوزراء”، بحسب ما ذكره السفير الأميركي الأسبق في بغداد زلماي خليل زاد، وكان أن ينصبه الأميركيون رجلا أولا في السلطة، لكن سرعان ما جرته أقدامه نحو طهران، حانثا بقسمه ذاك، معلنا ولاءه لدولة “الولي الفقيه”، وفي ظله عاش العراقيون ثماني سنوات عجاف امتلأت بالأهوال والمصائب، فقد ساهم، من حيث يدري، في إدخال “داعش” إلى الموصل في حزيران/ يونيو عام 2014 وما جرته تلك “الغزوة” من سقوط ثلث العراق، ثم دماره، وهو القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، وهرب قادة جيشه، بتوجيه منه، تاركين للغزاة الأرض والمال والسلاح، وعندما دانتهم وأدانته لجنة تحقيقية شكلها البرلمان تدخلت طهران لوقف أي إجراء قد يتخذ ضد وكلائها الذين نفذوا مخططا كانت لها يد فيه، وفعل مثل ذلك عندما نقل في العام نفسه أكثر من 1700 من طلبة الكلية العسكرية إلى قاعدة سبايكر الجوية على مشارف مدينة تكريت ليكونوا لقمة سائغة بيد تنظيم داعش حيث قتلوا وهم عزل من السلاح، وعد المالكي مسؤولا عن تلك المجزرة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وفي هذه المرة تدخلت طهران أيضا ومنعت استجوابه رغم مطالبات برلمانية وشعبية بالتحقيق معه، وفي واقعة معروفة حرض على إثارة الفتنة في مواجهة حراك شباب (محافظة الأنبار) حينما وصفهم بأنهم “أحفاد يزيد”، داعيا من سمّاهم “أحفاد الحسين” لمواجهتهم، وأخرى أيضا عندما سعى لإشعال الفتنة زاعما اكتشافه مؤامرة سنية لسلب السلطة من الشيعة رافعا شعاره السيئ الصيت “ما ننطيها ولن ننطيها”، أي لسنا في وارد أن تكون السلطة في يد غير يد المكون الذي يزعم أنه يتحدّث باسمه.
يسعى المالكي من جديد لإثارة الفتنة واضعا نفسه، طائعا مطيعا، ضمن الجوقة الإيرانية الحاقدة على سورية الجديدة
وها هو اليوم يسعى من جديد لإثارة الفتنة واضعا نفسه، طائعا مطيعا، ضمن الجوقة الإيرانية الحاقدة على سورية الجديدة بحكم خسارتها واحدا من أهم معاقل مشروعها الإمبراطوري، ومستلهما خطاباته من نذر الشر التي أطلقها كبيرهم خامنئي بدعوته “الشرفاء الشجعان” في سورية للثورة، ومن تصريحات أحمد بخشاشي أردستاني عضو مجلس الأمن القومي عن خلايا “باسيج سوري” درّبها قاسم سليماني تمتلك إمكانية التحرك في أي لحظة، وما زعمه محسن رضائي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام عن فترة أقل من عام لإعادة الأوضاع في سورية إلى سابق عهدها زمن الرئيس المخلوع!
هذا كله يعني أن دولة “ولاية الفقيه” لن تكفّ عن تدبير المكائد لإجهاض التغيير الذي حصل في سورية، ويعني أيضا أن وكلاءها، وفي مقدمتهم المالكي نفسه، يريدون أن يجعلوا من العراق ممرا للشروع بتنفيذ هذا المخطط، لكن ما يقطع الطريق عليهم هو أن يعمل السوريون على تحصين وحدتهم، وتمكين تنوعهم، وسد الثغرات التي قد ينفذ من خلالها الأعداء، وتسريع إنجاز مهام “المرحلة الانتقالية” وإطلاق حوار سياسي يقود إلى مؤتمر وطني جامع وصولا إلى بناء الدولة الديمقراطية المدنية..
وفي كل الأحوال، تظل الخشية قائمة من أن يدخل الوضع السوري في مراوحة غير محسوبة، أو أن تتباطأ مسيرة التغيير فتشكل حالة “عقب أخيل” يستغلها الأعداء الذين ينصبون شباكهم لإجهاض ما يطمح إليه السوريون.
الفتنة نائمة… وهناك من يريد إيقاظها
![](https://bm-magazine.com/wp-content/uploads/2025/02/1-22.jpg)
التعليقات معطلة.