صادق كاظم
يواجه العراق ومنذ أعوام فسادا ماليا ضخما تسبب في ضياع واردات مالية ليست بالقليلة كانت ستكون كافية لتغيير واقعه الحالي الى صورة أفضل وهذا الفساد متورطة فيه عدة جهات تحمل عناوين فئوية وهو يشكل حربا على البلاد لا تقل ضراوة عن تهديد العصابات الإرهابية.
لم تنجح جهود السنوات السابقة في الحد من الفساد وتحجيمه وهؤلاء الفاسدون يخوضون بالمقابل حربا سرية مع الجهات الرقابية لطمس الأدلة ولمنع ملاحقتهم قضائيا وبالرغم من تشكيل العديد من اللجان البرلمانية والقضائية لوضع حد لهذا الفساد ومحاصرته وتقنينه الا ان شيئا لم يتغير ,صحيح ان هذه الجهات بعناوينها ومسمياتها نجحت في استرداد قسم من الاموال المسروقة وإحباط سرقة جزء آخر منها الا إن ذلك لم يكن كافيا لوقف الفساد ومنعه من التمدد والانتشار والتحول الى حالة سلوكية خطيرة يمارسها ويعتاد عليها الأفراد .
محاربة الفساد لا تكون بالامنيات الصالحة ,بل إلى تخطيط لا يقل عن تخطيط المعارك الحربية وبأدوات أمنية وسياسية وقضائية تدخل في منظومة واحدة لمواجهة هذا الفساد وفتح الملفات واحالة المتهمين على القضاء بعد اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية مشددة لاسترداد الأموال المسروقة .هناك تقديرات متفاوتة لحجم الاموال التي فقدت نتيجة لإهمال وفساد إداري ,إضافة الى ارتباط بعضها بعملية إعادة الاعمار التي كانت تشرف عليها القوات الاميركية
وقتها. هناك بعض المسؤولين في الدولة تورطوا في عمليات فساد أطاحت بهم من مناصبهم ,لكن عملية محاسبتهم وإحالتهم على القضاء لم تستمر بسبب تمكنهم من مغادرة البلاد نتيجة لحملهم جنسيات دول أخرى مكنتهم من الإفلات من القضاء وهذه ثغرة قانونية خطيرة لم تعالج وتتسبب في إفلات المطلوبين من عمليات الملاحقة القضائية ,بل إن هؤلاء المطلوبين يقيمون حاليا في دول مجاورة للعراق مستفيدين من هذه
الحصانة .
الملاحقة القضائية وحدها ليست كافية لاسترداد الأموال المسروقة ما لم يرافقها تحرك على مستوى أوسع من خلال تبني الحكومة لهذا الملف وضرورة قيام البرلمان بإصدار تشريع يخير كل مسؤول في الدولة بالتخلي عن جنسيته الثانية مقابل الاستمرار في عمله، إضافة إلى تفعيل نشاط العراق في عضوية منظمة الانتربول الدولية وممارسة ضغوط سياسية على الدول التي يثبت لجوء المسؤولين والمتهمين الهاربين اليها وعقد اتفاقيات امنية مشتركة تسمح بتسليم المطلوبين الى الحكومة
العراقية .
القضاء على الفساد وتحجيم عمليات الهدر تحتاج الى وعي وطني وثقافة حقيقية وشعور بالمسؤولية من قبل المواطن العراقي الذي سيدرك عند وجود حرب حقيقية على الفساد دوره الحقيقي في كشفه والوقوف ضده
بقوة.
الفساد العميق في البلاد له جذوره الضاربة والسنوات الخمس عشرة السابقة مكنت مافيات الفساد من التأسيس لوجود خطير في عمق مفاصل الدولة من خلال التلاعب بعقود الاعمار والاستثمار ونجاحها في سحب هذه الأموال الضخمة صوب أرصدة سرية في الخارج وإدخالها في عمليات غسيل كبيرة ومعقدة تجعل من تتبع هذه الأموال ومعرفة مصادرها أمرا صعبا ويحتاج الى إمكانيات لا يستهان بها وهي تتبع النموذج الإفريقي وليس الآسيوي في الفساد ونقل الأموال المنهوبة إلى خارج البلاد وتوظيفها في مشاريع لا تخدم سوى مافيات الفساد تلك وتعزز من ثرواتها التي تحتكرها لنفسها مما يجعل منها مصدر تهديد رئيس واستراتيجي للدولة العراقية من خلال إمكانية ان توظف هذه الأموال لتنفيذ أجندات ومؤامرات خطرة مما يجعل من مقولة ان الفساد هو الإرهاب الثاني في العراق أمرا صحيحا
وأكيدا .