الفساد في العراق حاكماً أم محكوماً ؟

16

 

 

في الوقت الذي يشهد فيه العراق العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، يظل الفساد أحد أكبر العوائق أمام تحقيق التقدم والتنمية في البلاد. فمنذ سقوط النظام السابق، تزايدت مؤشرات الفساد بشكل ملحوظ، لتصل إلى حدٍّ بات فيه الفساد يتغلغل في كل مفاصل الدولة، لدرجة أن البعض يعتبره “نظام حكم” قائمًا بحد ذاته، وليس مجرد ظاهرة قابلة للسيطرة.

 

جذور الفساد وأسبابه

 

يعود جزء كبير من مشكلة الفساد في العراق إلى البيئة السياسية المعقدة التي نشأت بعد 2003. فالنظام السياسي الجديد المبني على المحاصصة الطائفية والعرقية ساهم في تعزيز الفساد، حيث تقاسمت الأحزاب النفوذ والموارد على حساب المصلحة العامة. هذا النظام سمح بانتشار المحسوبية والرشوة واستخدام النفوذ السياسي لتحقيق مصالح شخصية، بدلاً من تعزيز دولة المؤسسات والقانون.

 

كما لعبت التدخلات الدولية دورًا في تعميق الفساد، حيث استغلّت بعض القوى الخارجية الفراغ السياسي وتغاضت عن المحاسبة مقابل تحقيق مصالحها الاستراتيجية في البلاد.

 

الفساد: الحاكم الفعلي للعراق

 

أصبح الفساد في العراق قوياً بما يكفي للتحكم في القرارات السياسية والتأثير على التعيينات العليا وإدارة الأموال العامة. فهو لم يعد مقتصرًا على مستوى الموظفين أو الإداريين الصغار، بل وصل إلى قمة الهرم السياسي والاقتصادي، لدرجة أن القرارات السيادية أحيانًا لا تمر إلا بموافقة “شبكات الفساد” التي تمتلك نفوذًا موازًٍا أو ربما أقوى من المؤسسات الرسمية.

 

في هذا السياق، تغيب المساءلة الحقيقية عن الساحة، حيث تتداخل المصالح الشخصية مع مصالح الأحزاب الحاكمة، فتجد أن المسؤولين أنفسهم يحمون بعضهم البعض ويقفون كحائط صدّ أمام أي محاولة للتغيير أو الإصلاح.

 

أثر الفساد على الشعب

 

يعاني الشعب العراقي من تداعيات هذا الفساد بشكل يومي، فمعظم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والبنية التحتية تدهورت بسبب اختلاس الأموال العامة. وبالرغم من أن العراق بلد غني بالموارد الطبيعية، وخاصة النفط، إلا أن معظم العراقيين يعيشون في أوضاع اقتصادية صعبة، مع معدلات بطالة مرتفعة ومستوى خدمات دون المستوى المطلوب.

 

كما أدى هذا الفساد إلى فقدان ثقة الشعب في حكومته، مما يدفع الكثيرين إلى التفكير في الهجرة بحثًا عن فرص حياة أفضل، فيما يلجأ آخرون إلى الشارع للتعبير عن غضبهم من تردي الأوضاع.

 

هل هناك أمل في الإصلاح؟

 

بالرغم من الجهود المبذولة من قبل بعض الأصوات الإصلاحية في العراق، يبقى التحدي الأكبر في كيفية مواجهة شبكة الفساد العميقة والمتجذرة التي أصبحت تتحكم في زمام الأمور. لقد أصبح من الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات حقيقية، وجريئة، تبدأ بتعزيز القوانين الرادعة، وبناء جهاز قضائي مستقل قادر على محاسبة الفاسدين دون تمييز أو مجاملة.

 

كما يجب العمل على نشر ثقافة الشفافية وتعزيز دور المؤسسات الرقابية وتوفير الحماية للجهات التي تكشف الفساد. ومن دون تحركات جادة وقوية، سيبقى العراق يعاني تحت حكم الفساد، وسيفشل في تحقيق التنمية الحقيقية التي ينشدها الشعب .

 

أصبح الفساد في العراق بمثابة الحاكم الفعلي، يسيطر على كل مفاصل الدولة ويعيق كل جهد للإصلاح. لا يمكن للعراق أن ينهض من جديد إلا من خلال إرادة سياسية قوية ومخلصة تقطع دابر هذا الداء الخبيث .

التعليقات معطلة.