الفساد وفوانيس الوالي

1

حسام الدين الانصاري 

الفساد .. فتنة وقع فيها البشر منذ أن خلق الله (سبحانه) الانسان ، وكان أولها حينما أغوى أبليس آدم وحواء على مخالفة أمر الخالق واستجابا لإغراء الشيطان الذي زيّن لهما أكل ثمار الشجرة التي حُرٍمت عليهما .. ولما أكلا منها حل بهما الفساد ( فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما – سورة طه – الآية 121 ) فكانت دوافع الفتنة والرغبة في التمتع بثمرة الفساد أقوى من التعفف وصمود الضمير ومقاومة الشهوة وطاعة النصيحة الإلهية.

وما أشبه اليوم بمسيرة التأريخ كله ، فالفساد يختبئ في إحدى دهاليز النفس البشرية متربصاً ، منتظراً الفرصة التي يضعف فيها الانسان عندما ينسى الحكمة من خلق الله (سبحانه) له في الأرض وإرثها والتمتع بما فيها من نِعَمٍ بالحق.

ونعيش اليوم حالة من سقوط النفس البشرية في شرك الفساد بما يوفره للإنسان من فرص للتمتع بالمال والجاه والسلطة والقوة ، ويكون سبباً في كسب كل شيء على حساب الآخرين وحرمانهم من كل شيء.

ففي حكاية تعبر عن رغبة المفسدين في الحصول على ما ليس لهم والاستحواذ على ما للآخرين من حقوق ، وكيف أن الفساد يسري في النفوس فيكون له أنصار كثر يشكلون سلسلة من المفسدين الذين لا يأخذهم الخوف أو الخشية من الحساب ما دام الكل فاسدون .

فعندما كان الوالي الذي وضعته السلطة حاكماً على بغداد مسؤولاً عن إدارة المدينة التي كانت تعاني آنذاك الكثير من المشاكل ومظاهر التخلف ، كان من بينها غياب الإضاءة في شوارعها وأزقتها وحوارييها ، مما ساعد اللصوص وقطاع الطرق على العبث بأمن المدينة .

ورغبة من الوالي في معالجة هذا الواقع عن طريق إنارة الشوارع والأزقة بالفوانيس … فقد طلب من الباب العالي مخصصات مالية بتجهيز الفوانيس وإنارة المدينة. وحين استجابت له السلطة وأرسلت أموالاً تغطي التكاليف ، وكان هو يضمر في طلبه على قصدٍ آخر (كلمة حق يراد بها باطل ) الى جانب ما يتحقق من إنجاز يحسب له كحاكم مسؤول عن خدمة الناس .

وهكذا ، فإنه حين استلم التخصيصات احتفظ لنفسه بجزءٍ منها ومنح ما تبقى الى رئيس هيئة إعمار المدينة ، فقام هذا الآخر بالاحتفاظ بجزءٍ منها وأرسل الباقي الى رئيس البلدية ، الذي احتفظ لنفسه أيضا بجزءٍ منها وأرسل الباقي الى مسؤول الخدمات الذي احتفظ بجزءٍ منها ودفع بالباقي الى رئيس شرطة المدينة باعتبار ان المسألة أمنية .

وعندما استلم هذا بقايا التخصيصات التي لم تكن تزيد عن حصته من الغنيمة فاحتفظ بها لنفسه ، ولم يبق ما يغطي به نفقات أعمال إنارة المدينة بالفوانيس ، فأصدر أمراً (فرماناً) يلزم الناس بأن يضع كل بيت فانوساً على باب داره ، ومن لا ينـــــــفذ يعرض نفسه للمحاسبة. .

فما أشبه فوانيس الوالي ومسؤولي المدينة في ابتلاع التخصيصات وإلزام الناس على مشكلة الانارة ، بالمليارات التي ابتُلعت ولم تُحلُّ مشكلة الكهرباء ، وعلى كل مواطن أن يحلّ مشكلته بالاشتراك في المولدات الأهلية التي يملك غالبيتها مسؤولون متنفذون.

واليوم … وبعد قرون من حالة الأمس ، فالحالة واحدة ، فلا فرق بين فوانيس الوالي وكهرباء المرحوم أديسون ، وعلى كل مواطن أن يخدم نفسه بنفسه .

التعليقات معطلة.