الفساد يضرب أركان الحكومة الليبية… 321 قضيّة و595 متّهماً خلال عام

1

تظاهرة احتجاج ليبية ضدّ الفساد. (أرشيف)

أعاد تقرير رقابي حكومي تسليط الضوء على الفوضى التي تضرب الأجهزة الحكومية في ليبيا، ودق ناقوس الخطر مجدداً في شأن استمرار هدر المال العام، بلا رقيب ولا حسيب.
ورصدت هيئة الرقابة الإدارية في تقريرها السنوي للعام الماضي، حزمة من التجاوزات والمخالفات التي شابت أداء الحكومة الليبية وأجهزتها، والتي توزعت بين إصدار قرارات بالمخالفة للقانون أو صرف مئات الملايين من الدنانير الليبية خارج الإطار الرسمي. وقائع وعقوباتوكشف التقرير الذي جاء في 770 صفحة، وحمل توقيع رئيس الهيئة سليمان محمد الشنطي، عن تحريك 321 قضية أمام المحاكم، في شأن وقائع فساد، وتوجيه اتهامات تنوعت بين “الإهمال والتقصير والتزوير في وثائق رسمية واستعمالها، والاختلاس” إلى 595 متهماً، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من ثبت بحقه ارتكاب مخالفات، من إيقاف عن العمل أو الإحالة على التحقيق.
وفي شأن متابعة أداء مجلس وزراء حكومة “الوحدة الوطنية” الموقتة، استنكر التقرير التأخر في معالجة الملاحظات التي رصدتها الهيئة في تقييمها لعام 2021، كما أكد عدم التزام الحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة بمخرجات الاتفاق السياسي، الموقع في تشرين الأول (نوفمبر) عام 2020، والذي تمّ تأليفها بمقتضاه، بعدما حظر في مادته السادسة على السلطة التنفيذية “النظر في أي اتفاقات أو قرارات بما يضر استقرار العلاقات الخارجية للدولة أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد”، إذ اعتمد مجلس الوزراء مذكرات تفاهم ترتب التزامات مع جهات خارجية، منها الموافقة على تعديل اتفاقية استكشاف ومقاسمة إنتاج وتنازل جزئي، سبق أن أبرمت بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة “إيني” الإيطالية. ورصد التقرير الذي حصل “النهار العربي” على نسخة منه قبل إعلانه رسمياً، سلسلة من القرارات في الشقين الإداري والمالي، حملت توقيع مجلس الوزراء، وذلك من دون اجتماع المجلس لمناقشة تلك القرارات وإقرارها. كما نبه إلى منح قطاع الكهرباء الإذن بتوريد قطع غيار مستعملة، بما يتنافى مـع المصلحة العامة، وشرط شراء قطع الغيار من المُصنّع الأصلي أو وكيله المعتمد، مستنكراً في الوقت نفسه إصدار قرارات تنفيذية تُخالف أحكاماً قضائية، من بينها حكم بطلان عقد بيع شركة “هيس” الليبية إلى شركتي “كونكوفيلبس”، و”توتال إنرجيز”. فساد في التوظيفولاحظ التقرير مخالفات واسعة في عمليات التعيين في المؤسسات الحكومية، إذ لم تراع التخصصات المطلوبة والكفاءات، خصوصاً في مناصب حساسة بإدارة التواصل والإعلام، وإدارة الشؤون الخارجية، وعدم تناسب المؤهلات العلمية للموظفين الجدد مع الوظائف المكلفين بها. 

تراكم الالتزامات الماليةولفت التقرير إلى “تراكم الالتزامات المالية على ديوان مجلس الوزراء عن سنوات سابقة دون تسويتها، مع عدم تسوية عُهَد مالية منذ عام 2011 وحتى 2021، بلغت مبلغاً قدره أكثر من 824 ألف دينار (نحو 173 ألف دولار)”، محذراً في الوقت نفسه من “توسع مجلس الوزراء في صرف العهد المالية خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 2022، وحتى 30 حزيران (يونيو) 2022، والتي بلغت مبلغاً قدره 56 ألف دينار، مع المبالغة في قيمة بعضها بما لا يوافق قيمة المصروفات النثرية المنصوص عليها قانوناً”، كما استنكر “وجود عهد مالية في ذمة موظفين دون تسويتها؛ رغم نقلهم للعمل خارج الديوان”.
وأضاف التقرير أن ديوان مجلس الوزراء “اشترى كوبونات وقود وبطاقات دفع مسبق تفوق احتياجاته الفعلية، ومن دون تقييدها كعهدة شخصية، كما توسع في صرف كروت الدفع المسبق وكوبونات الوقود لبعض الموظفين غير المستحقين”، كما رصد “شراء سيارات للوزراء ووكلائهم، بلغت قيمتها أكثر من 40 مليون دينار، من دون مراعاة ضوابط الشراء والتخصيص المقررة قانوناً”. وجوب ضبط الإيفاد الخارجيوتحفظ التقرير عن التوسع في إصدار قرارات الإيفاد لمهام عمل خارجية، خصوصاً في قطاعات النفط والطيران والصحة بالإضافة إلى وزارة الخارجية، التي نبهها أيضاً إلى عدم التزام موظفيها بتقديم تعهد بعدم التجنس بجنسية أخرى غير الليبية، بالمخالفة للقانون، وكذلك عدم التزام الوزارة الإجراءات القانونية في تحديد المسؤولية القانونية للمتصرفين في الودائع المالية المخصصة للشراء، والبناء، والصيانة، بالسفارات والقنصليات والبعثات الليبية بالخارج. وكشف أن ديون وزارة الخارجية حتى 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وصلت إلى مليون وستمئة ألف دينار. مخالفات في مؤسسة النفط والغازوأشارت هيئة الرقابة إلى عدد من المخالفات القانونية داخل المؤسسة الوطنية للنفط والغاز، من بينها عدم التزام مجلس إدارة المؤسسة بعقد اجتماعاته مرة كل شهر على الأقل، واعتماد الوظائف عن طريق رئيس مجلس الإدارة وليس كامل أعضاء المجلس، بالإضافة إلى وجود سيارات تابعة للمؤسسة بعهدة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بالمؤسسة، وتسليم أكثر من سـيارة كعهدة لموظف واحد وتكراراً، وعدم خضوع الحسابات المصرفية التي تديرها المؤسسة للمراقب المالي.
المحامي والناشط الحقوقي الليبي أحمد عبد الحكيم حمزة استنكر ضعف الدور الرقابي على أجهزة الحكومة ومؤسساتها، مطالباً النائب العام بفتح تحقيق موسع في ما رُصد من وقائع فساد مالي وإداري. ورأى في حديث لـ”النهار العربي” أن ما رُصد في تقرير هيئة الرقابة لا يعكس معدلات الفساد في الأجهزة الحكومية التي وصلت إلى معدلات غير مسبوقة وخطيرة. وقال: “يجب فتح تحقيق شامل في النهب الممنهج للمال العام والنظر في سلامة إجراءات الصرف وأوجهه… جهود هيئة الرقابة غير كافية ولا يتم إتاحة المجال الكامل لأداء دورها”.

التعليقات معطلة.