الفلور في المياه يحرك نقاشات علمية متداخلة مع سياسة ترمب!

2

أظهرت دراسة علمية أميركية أن مياه الشرب المفلورة تؤثر سلباً على ذكاء الأطفال.

الأرجح أن تجدّد النقاش في الولايات المتحدة حول إضافة مادة الفلورين إلى مياه الشرب، قد يثير مشاعر متضاربة في عوالم العرب. ويتحسّر كثيرون على زمن بدا فيه الشرب مباشرة من “الحنفية” أمراً مأموناً ومرغوباً، بل إنجازاً لتقدم الحداثة في مجتمعات عربية كثيرة، بما في ذلك أن مياه الشرب المفلورة بدت صحية أكثر من تلك التي تأتي من مصادر طبيعية. والأرجح أن الزمن عدل عن تلك الحقبة، إلى حد كبير. وبات الحذر سيد الموقف حيال مياه تأتي من شبكات لم تواكب إيقاع الزمن في التجدد.

وفي الصورة العربية عن مياه الشفة المفلورة، يصعب نسيان أن أعداداً عربية كبيرة أيضاً يصعب عليها حتى مجرد الوصول إلى مياه لتروي ظمأها به، حتى لو لم تكن نوعيته متقدمة؛ خصوصاً في دول شمال أفريقيا والسودان وموريتانيا والقرن الأفريقي وغيرها. وفي مقلب مغاير، ترافق تطور العمران المديني في دول عربية أخرى إلى انتشار واسع للمياه المعدنية، بل باتت كأنها ماء الشفة المفلورة في زمن ماضٍ.

الفلور والدراسات والسياسة الترمبية! 

أيَّا بلغ مدى التنوع والتناقض في المشهدية العربية حيال مياه الشرب المفلورة، إلا أن الملمح الجديد عنها جاء من الولايات المتحدة التي انطلقت منها تاريخياً مبادرة إضافة الفلورين إلى مياه الشرب المنقولة عبر شبكات خاصة إلى المنازل والمؤسسات. وبالاستعادة، انطلقت تلك المبادرة في مستهل القرن العشرين مستندة إلى أسباب علمية متنوعة أبرزها الحماية التي تقدمها المياه المفلورة للأسنان واللثة.
ويبدو أن الموقف الأميركي يميل إلى تغيير قوي. إذ أظهرت دراسة علمية أن مياه الشرب المفلورة تؤثر سلباً على ذكاء الأطفال، وفق تقرير نشرته وكالة “فرانس برس” أخيراً.
وهض بتلك الدراسة باحثون من “المعهد الوطني لعلوم الصحة الوطنية”  (National Institute of Environmental Health Sciences) الحكومي الأميركي، واختصاراً “أن آي إي اتش اس” (NIEHS). وتمثلت الدراسة بتحليل استرجع معطيات جُمعت من 74 دراسة صحية واسعة، شملت 54 بلداً، ليس من بينها الولايات المتحدة.
ولاحظت الدراسة حدوث انخفاض في معدل الذكاء لدى الأطفال الذين تعرضوا لمستويات معينة من مياه الشفة المفلورة في 54 بلداً.
وقد أعقب نشر الدراسة جدال علمي عنها، من النوع المألوف في أوساط المشتغلين في العلوم.
في المقابل، جاء شيء آخر من عالم السياسة. ومع اقتراب تولّي دونالد ترامب منصبه الرئاسي رسمياً، يُخشى من أن تؤدي الدراسة إلى تراجع ثقة الجمهور في المؤسسات الصحية. ومثلاً، يدعم ترمب تولي روبرت كينيدي جونيور، وزارة الصحة الأميركية فيما يُعرف عنه معارضته الشرسة لإضافة الفلور إلى المياه.
ويستخدم 04% من سكان الكرة الأرضية المياه المفلورة طبيعياً، ومن بينهم 378 مليوناً تصلهم مياه أضيفت إليها مادة الفلورين، بمعنى أنها لم تكن فيها طبيعياً. وفي العام 2022، وصل ذلك النوع من المياه إلى مئتي مليون أميركي.
وكذلك يوجد الفلور بشكل طبيعي في المياه الجوفية في دول عدة من قارتي أفريقيا وآسيا، لكنه يصل إحياناً إلى معدلات تتجاوز الحد الصحي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.

التطور المعرفي للأطفال

وحاضراً، تتقاطع خيوط النقاشات العلمية والسياسية على ضرورة المضي قدماً للتوسع في الاتجاه الذي استهلته هذه الدراسة، بمعنى التركيز على العلاقة بين نسب الفلور في المياه، سواء بحضوره طبيعياً أو بإضافته كإجراء رسمي، وبين معدل الذكاء والتطور المعرفي لدى الأطفال. وربما شملت تلك الدراسات المستقبلية مجاميع من البالغين أيضاً ممن اعتادوا تشراب تلك المياه.
وبما أن ثمة مصادر أخرى للفلور لا سيما معجون الأسنان، ينبغي إعادة تقييم فوائد إضافة الفلور إلى مياه الشفة، عبر دراسة التأثيرات التي لوحظت بعد “وقف إضافة الفلور إلى المياه في مناطق عدة”، بحسب الباحث في الصحة العامة للأسنان فرناندو هيوغو.
وفي أيلول (سبتمبر) 2024، دعا قاضٍ فيدرالي السلطات الأميركية إلى النظر في الموضوع، بالاستناد إلى وثيقة وضعها معدّو الدراسة.
في المقابل، يشدد المدافعون عن إضافة الفلور إلى المياه على أنّ هذه الخطوة تساعد في تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، إذ إنّ السكان الفقراء عاجزون عن رعاية أسنانهم بشكل كافٍ.

التعليقات معطلة.