الفنان العربي وجواز السفر

1

الرأي

طارق الشناوي

طارق الشناوي ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.

في ليلة واحدة أقامت «هيئة الترفيه» بالمملكة العربية السعودية أربع ليالٍ في أربع محافظات، أحياها نجوم عرب؛ أصالة ورابح صقر وأصيل أبو بكر سالم ومحمد حماقي وهدى الفهد ورامي عبد الله وماجد المدني، تنقلوا بين جدة وجازان وأبها والباحة، شعاع ضوء ينتقل من بقعة إلى أخرى، لا يتوقف كثيراً أمام جواز سفر المطرب والفرقة الموسيقية والكورال، لا يعترف أبداً إلا بصدق المشاعر ونبل الأحاسيس.

خطة محكمة رصدها المستشار تركي آل الشيخ، رئيس «هيئة الترفيه»، علمته الحياة ألا يتوقف أمام شائعة تنتشر أو «تشنيعة» يتم تداولها، يُكمل فقط الطريق الذي بدأه، باحثاً عن وميض النجاح. أكبر مأزق يواجه أي مبدع يكمن في جملة واحدة: «تبديد الطاقة»، وروشتة النجاح أيضاً تكمن في جملة واحدة: «ترشيد الطاقة».

لا أحد يستطيع اغتيال نجاح؛ لأنه يملك أسلحة الدفاع من خلال الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل.

حق النقد لأي عمل فني مباح ومتاح، بل مطلوب. هناك قضايا تثار بين الحين والآخر، وهي ليست فقط وليدة هذا الزمن، اشتعلت في السنوات الأخيرة مع زيادة سطوة «السوشيال ميديا»، مثل ملابس بعض المطربين، في الماضي كانت دائماً ملابس النساء تسرق الكاميرا وتستحوذ على الاهتمام، الآن صارت ملابس الرجال تحتل مقدمة «الكادر».

البعض منا يعتقد أنه فقط «ترمومتر» الذوق العام، وما يجوز أو لا يجوز، لو رأيت فناناً يرتدي ملابس لا تتوافق مع ذوقك، بل سأصل معك إلى أبعد نقطة، وهي أنك شخصياً تخجل من ارتدائها، فهل تطالب بمصادرتها أو بعقاب من يرتديها؟ إنه اختيار لا يناسبك أو يناسبني، قد يصدمك أو يصدمني، فقط ترفضه. العقاب ليس من صلاحياتك أو صلاحياتي، البنطلون «المقطع» الذي يرتديه النساء والرجال، المنتشر في كل العالم، قبل ثلاثين عاماً لو ارتداه أحد لاعتبرته دلالة على الفقر والعوز، الآن صار أمثالي الذين لا يتعاملون مع هذا البنطلون يبدون للناس، وكأنهم خارج الزمن.

عندما يشكر فنان على المسرح شعباً، معرباً عن مشاعره، نضع الموقف في إطار توقيته ودلالته. عندما يزورك إنسان عزيز عليك في بيتك، تقول عادة: «إحنا زارنا النبي»، هل هناك من هو في مقام النبي – عليه الصلاة والسلام؟ تعبير مقبول اجتماعياً، ولا نحاكمه دينياً، دلالته واضحة ولا تحتمل اللبس.

لو عدت إلى حفلات سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي أقامتها في العديد من الدول العربية بعد حرب 67، مثل السودان وليبيا وتونس والمغرب وغيرها، من أجل دعم المجهود الحربي، ستكتشف أن أم كلثوم كثيراً ما أشادت بشعب هذه الدولة، واعتبرته «السمّيع رقم واحد في العالم العربي»، هل أدى ذلك يوماً إلى غضب المصريين من أم كلثوم؟

عبد الحليم حافظ في منتصف الستينات سجل ثلاث قصائد في التلفزيون الكويتي، أشهرها «يا هلي يا هلي»، مرتدياً الزي الخليجي، وقدمها باللحن والإيقاعات الخليجية، كما أنه غنى للملك الراحل الحسن الثاني: «شمسك تشرق في المغرب، والماء والخضرة والوجه الحسن»، لم يقل أحد كيف تغني للملك الحسن الثاني بعد أن غنيت «يا جمال يا حبيب الملايين»؟

مثلاً، نجاح سلام اللبنانية الجنسية عام 1956 رددت من قلبها: «يا أغلى اسم في الوجود يا مصر»، ولم يعاتبها أحد في لبنان. قبل بضع سنوات أعاد غناءها المطرب الإماراتي حسين الجسمي. وديع الصافي غنى «عظيمة يا مصر يا أرض النعم»، وأم كلثوم «بغداد يا قلعة الأسود»، وغنت للكويت «يا دارنا يا دار»، وما شدت به نانسي عجرم حباً في مصر أكثر مما غنته معبرة عن حبها للبنان.

الفنان الذي يعلن حبه لأرض أو لشعب عربي، لا يجوز لنا بجرة قلم أن نشكك أو نجرح في انتمائه الوطني!

التعليقات معطلة.