زياد الدريس
١
هو توجّه فكري مناقض تماماً لما يعرف بالمكارثية.
فالمكارثية تهدم والفهارثية تبني.
المكارثية تغلق الأبواب لمنع حرية مرور وتبادل الأفكار، بينما تقوم الفهارثية بفتح النوافذ مع الأبواب لصنع تيارات نشطة من مرور الأفكار وتبادلها مهما بدا أنها متناقضة. وفي حين تقوم المكارثية بخنق الأصوات المغايرة لصوتها النافذ والوحيد، تقوم الفهارثية بفتح الساحة لكل الأصوات مهما تغايرت في انتماءاتها الأيديولوجية.
وعندما انشغل المكارثيون في الثمانينات بتكميم أصوات (اليمامة)، لم ينشغل الفهارثيون بالمقابل بتكميم خصومهم بل انشغلوا بضمان حرية صوت (اليمامة).
والآن يتكرر المشهد، حيث نرى نشاطاً مكارثياً واسعاً من هؤلاء ضد أولئك ومن أولئك ضد هؤلاء، يُنشئ الفهارثيون وسط هذا الاحتقان منتدىً رحباً يتسع لكل التوجهات والميول والأصوات إلا فقط الأصوات التكفيرية أو الأصوات التخوينية.
بقيت الإشارة إلى أن المكارثية تُنسب إلى جوزيف مكارثي (١٩٠٨- ١٩٥٧)، والفهارثية تنسب إلى فهد الحارثي (؟؟١٩- ؟؟؟٢م).
٢
كتبت الخاطرة أعلاه قبل أكثر من عام، وتداولتُها بمضامينها الفذلكية في دائرة محدودة من المعارف بمناسبة إنشاء «منتدى أسبار الدولي» وانطلاق دورته الأولى العام الماضي بنجاح فائق نقله إلي الأصدقاء بسبب تعذر حضوري له.
انطلقت الدورة الثانية من المنتدى الأسبوع الماضي، بحضور أمير الرياض ومشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين، وتناولت جلسات المنتدى على مدى يومين كاملين محاور ونقاشات متعددة ومتنوعة أفقياً وعمودياً، في مجال (الابتكار) ودوره المحوري من أجل: بناء المجتمع الجديد في دولة المستقبل.
في هذه الدورة لم أكن شاهداً من بُعد، بل كان لي شرف الحضور والمشاركة، وأذهلني بحقّ المستوى الرفيع من الأطروحات والنقاشات المتقدمة جداً نحو المستقبل القادم، الذي لا يبدو أنه يشبه «المستقبلات السابقة»!
تناول المنتدى: الابتكار في صناعة النفط والطاقة، والابتكار في التعليم والتدريب، والابتكار في الرعاية الصحية، والابتكار في الإعلام… ليس الإعلام التقليدي ولا أيضاً الإعلام الجديد، بل الإعلام الجديد جداً!
والابتكار في التقنية… ليست التقنية الجديدة ولا الجديدة جداً، بل المتجددة.
ما لا يقلّ إدهاشاً عن عمق المحاور ونخبوية المحاضرين وحسن التنظيم، هو أعداد ونوعيات الحضور وانضباطهم في الجلسات لعشر ساعات كل يوم، كأن الناس يتوقعون فتح باب المستقبل الموعود في أي لحظة، حتى قبل تاريخ 2030، ولا يريدون البعد من الباب عند فتحه.
الدكتور فهد العرابي الحارثي، الذي كان قبل ٤٠ عاماً رئيساً لتحرير مجلة «اليمامة» (التقدمية حينذاك)، هو نفسه الآن مؤسس ورئيس منتدى أسبار الدولي، لم يتغير في ملامحه وأعماقه شيء سوى بعض الأرقام (الطفيفة)!