نايف معلا
عندما يُعثر على شخص يمارس التطبيب وهو ليس بطبيب، أو الهندسة وهو ليس بمهندس فستتم على الفور ملاحقته اجتماعياً (هاشتاقياً) وقضائياً، وستقوم الدنيا ولن تقعد! أما من يقتحم تخصص القانون من دون تأهيل علمي يسبغ عليه صفة المُختص في القانون، فهو يسرح ويمرح ويعبث بهذا التخصص الحسّاس من دون رقيبٍ أو حسيب!
عانى المحامون ردحاً من الزمن، ممن يسمون «الدعوجية»، الذين هم في الأصل معقّبون لا علاقة لهم إطلاقاً بالقانون! حتى صدر نظام المحاماة بموجب المرسوم الملكي رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422هـ ليعالج هذا الوضع غير الصحي، وإن كان المأمول أكثر مما جاء به هذا النظام، إذ إن المفتئتين على مهنة المحاماة وجدوا في الاستثناءات الواردة في المادة (18) من النظام؛ منفذاً لممارسة عبثهم بهذه المهنة طمعاً في المال! والتي تتعلق بمقبولية الترافع عن الغير، ولكن ما يحدث من حراك على المستوى الرسمي بشأن تعزيز مهنة المحاماة وما تبذله وزارة العدل والهيئة السعودية للمحامين من جهود يجعلنا نستبشر خيراً، ومن ذلك قرار وزير العدل الصادر في 9 رمضان 1438هـ، القاضي بتعديل الفقرة (18/13) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة، بحيث تضمّن التعديل اعتبار موظفي الإدارات القانونية لدى الشخصية المعنوية الخاصة في حكم الممثل النظامي لها بعد حصولهم على الترخيص من الإدارة بموجب وكالة من صاحب الصلاحية، على أن تتوافر فيه شروط عدة، منها – وهو ما يهمنا في هذا السياق – أن يكون الموظف حاصلاً على شهادة جامعية على الأقل في تخصص الشريعة أو الأنظمة من إحدى جامعات المملكة، أو ما يعادل أياً منها خارج المملكة.
كما يُشار بإيجابية إلى قرار وزير العدل الصادر في جمادى الآخرة 1439هـ، الذي قضى بتعديل اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة، ليتم قصر ترخيص مهنة المحاماة على الحاصلين على بكالوريوس الشريعة أو القانون، بحيث لا يرخص ابتداءً لمن يحمل درجة الماجستير أو الدكتوراه في الشريعة أو القانون ما لم يكن حاصلاً على بكالوريوس الشريعة أو القانون، ويسمح لمن حصل على الترخيص قبل تاريخ هذا التعديل بالتجديد.
وفي مسار موازٍ، ينبغي على الجهات الحكومية أن تتقيد على نحوٍ صارم بالاختصاص في الإدارات والمهمات القانونية، ومن ذلك على سبيل الذكر، عدم تعيين أو تكليف أي موظف لا يحمل مؤهلاً علمياً في تخصص القانون في وظائف أو مهمات تتطلب توافر هذا المؤهل، كما ينبغي عليها التشدد في مسألة التخصص عند تكليف الموظفين للمشاركة في أعمال لجان حكومية مشتركة مكلفة بدراسة مسألة قانونية أو يستغرقها تخصص القانون، مثل دراسة تعديل الأنظمة واللوائح القائمة، ومشروعاتها، والمسائل المتعلقة بالقضاء، والانضمام إلى المعاهدات، وإبرام مذكرات التفاهم.
وعلى المستوى المجتمعي، ينبغي أن يضطلع المحامون والمختصون في القانون بمسؤوليتهم في الدفاع عن تخصص القانون الذي أضحى «حِماهُ» مستباحاً لكل من «هب ودب»، سواء من خلال الهيئة السعودية للمحامين أم من تلقاء أنفسهم بتقديم الشكاوى ضدهم للجهات المعنية، والتحذير منهم في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يفعل الأطباء والمهندسون ونحوهم في التحذير من الدخلاء على اختصاصاتهم!
إذا كان منتحل صفة الطبيب قد يهلك الإنسان، ومنتحل صفة المهندس قد يهدم العمران، فإن من ينتحل صفة القانوني قد يدمر الأوطان! ولست أبالغ في ذلك، فالأوطان تشريعات ومؤسسات وقضاء، وجميعها تتمحور حول القانون أو ربما هي القانون!