أ. المحامي فريح أبو مدين
بعد هوجة ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، تعالت الصرخات وتناثرت الكلمات وانتفخت الأوداج وعلّت ظاهرة العرب الصوتية، كالعادة، من شجب وإدانة… إلخ.
دعونا هنا نثير تساؤلات أكثر من تقديم أجوبة:
1.هل قرار ترامب منشئ لواقع جديد أم كاشف لواقع موجود ويفرض منذ زمن طويل طول عمر الاحتلال؟!
2.هل قرار الكونغرس بما يشبه الاجماع عام 1995م بنفل السفارة هذر غير مدروس؟!
3.ألم تكن التأجيلات بالنقل من جميع الرؤساء السابقين لترامب مدفوعة الثمن من الجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي وكان ترحيل القرار لغايات سياسية جنتها أمريكا وإسرائيل لا يتسع المجال لذكرها؟!
4.هل يشك أحد أن الدور الأمريكي متطابق ومتوافق ومتواطئ مع إسرائيل؟!
5.عن أي قدس نتحدث، قدّس عام 1967 أم قدّس 2018، غربها أم شرقها أم ماذا؟!
6.ألم يصدر قرار ضم القدس بعد حرب يونيو كهدف مقدس لتلك الحرب ومن وقتها يتم التهويد بالمال الأمريكي والحماية الدولية من واشنطن؟!
7.هل قام العرب والمسلمين ونحن في المقدمة بعمل ما يجب عمله؟!
8 . ألم يكن ياسر عرفات وفيصل الحسيني آخر من اهتموا بالقدس سكان ومدينة؟!
9 . ألم توقف وزارات السلطة كل المخصصات لمؤسسات القدس، ونذكر هنا استقالة وزيرها حاتم عبد القادر حين رفض طلبه رئيس الوزراء سلام فياض آنذاك برصد موازنة ومخصصات لصمود أهل القدس؟
10.هل وصل غير الفتات من العرب والمسلمين سوى الاستعراض التطبيعي من البعض بالصلاة في القدس؟!
ألم تفضح معركة البوابات والكنائس الحكام ملوكا ورؤساء وزعماء حين نسب كل منهم الفضل في الانتصار المعنوي والكل يعلم انه لولا عزيمة الشباب المسلم والمسيحي وساندهم الاعلام لما انثنت إسرائيل أمامهم؟!
ألم تُرحل كثيرًا من نشاطات القدس ومرافقها التجارية والثقافية إلى رام الله حتى أصبحت بديلة للقدس وانظروا إلى تضخم مدينة رام الله؟!
ألا يشكل قرار نقل السفارة في تاريخ النكبة تحديًا للشعب والأمة تكريسا لمقولة ترامب بأن القدس واللاجئين أُزيح موضوعهما عن الطاولة؟!
نعود بعد ما تقدم من تساؤلات إلى القدس كهدف مع الضفة الفلسطينية بالضم المتدرج والنهائي، لقد كانت الصورة واضحة وغير غائبة منذ بداية الاحتلال في كتابات مؤرخين وعلماء ومذكرات زعماء وكتاب، ولقط طالعت يوميات وشهادة الوزير عدنان أبو عودة الذي تقلد كثير من المواقع في الأردن في هرم السلطة وكان مقربًا للملك حسين ويومياته ظهرت مؤخرًا في أكثر من 1000 صفحة، ويهمني هنا تحديدًا موضوع القدس والذي ورد في مواقع كثيرة وفي الصفحات الأولى إجابات لمحاوره الأخ معين الطاهر. وفي الصفحة 47 يذكر الأستاذ عدنان أبو عودة أن أكثر كلمة كان يرددها الملك حسين -رحمه الله- أن عبد الناصر قال له: “يا جلالة الملك، بأي طريقة كانت (انتبه للتعبير) إذا كان بإمكانك أن تسترجع الضفة الغربية لا تنتظر، وهذا يدل على أن عبد الناصر كان واعيا أن إسرائيل لن تعطيه شيئًا، لذلك قال للملك بأي طريقة كانت استرجعها لا تنتظرني ولا تنتظر موافقتي إلخ..”.
ويشير الأستاذ عدنان للجو السائد بعد الحرب بين الملك حسين وعبد الناصر عام 1967م قائلا على لسان الملك: “والهزيمة تأكل فينا كلينا قال له عبد الناصر، القدس قبل قناة السويس، وعليك ان تتحرك دوليا حتى ولو قبلت يد الرئيس الأمريكي جونسون، افعل ذلك من أجل القدس، اقبل أي شيء ما عدا الصلح المنفرد، وذهبت لجونسون وقال لي لا أستطيع أن أفعل شيء. إلخ”.
ويتابع الملك في فترة أخرى قوله وموقفه: “لماذا لا أحاور الإسرائيليين، أريد أن أفعل أي شيء متاح، كي لا يقال يوما إنني بخلت بجهد من أجل القدس وأهلها”. ويورد ما قالته جولدا مائير له انسى الضفة والقدس، كذلك رابين بعد 10 سنوات يمكن الحديث يا جلالة الملك، وهذه رواية الأستاذ عدنان بتصرف.
ولقد سمعت شخصيًا في مجلس والدي المرحوم مصطفى في القاهرة، حيث كان قريبًا من الدوائر التي تحيط بعبد الناصر من شخص مهم رفض أن أذكر اسمه أن الملك طلب أن يقابل عبد الناصر سرًا وحضر يقود طائرته بنفسه للقاهرة وفي مطار “ألماظة” جلسا سويا مطولا بعد أن كثر الكلام حول تسوية في الضفة، فقال له عبد الناصر أعرف اتصالاتك فإذا كنت قادر على استرجاع الضفة والقدس وهما الهدف من الحرب فافعل وسأساندك، أما أنا فذاهب إلى الحرب لأنهم لن يعطوا شيئًا، والمشكلة ليست سيناء أو غزة أو الجولان، ولقد بدأنا العمل وتهيئة المسرح للعمليات بحرب استنزاف وسافر الملك وعاد بعد فترة وأبلغ عبد الناصر بأنه لا فائدة، وخرج عبد الناصر بعدها بكلمة شهيرة : “إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، وبدأت حرب الاستنزاف والبقية معروفة. هل في هذا عبرة؟ أشك تماما بعد أن خانت السياسة السلاح، على رأي هيكل.
وستبقى القدس قصة دامية في تاريخ العرب والمسلمين وسيسجل التاريخ ذلك في أسفاره