القضية الفلسطينية طال أمدها والغرب يكيل بمكيالين؟

1

الرأي

د. محمد علي السقاف

د. محمد علي السقافكاتب يمنى وهو خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية. له دراسات عدة في دوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية – الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».

منذ أكثر من سبعين عاماً والقضية الفلسطينية لا تزال من دون حل، ولا يتمتع الشعب الفلسطيني كبقية شعوب العالم بوجود دولة تمثله في الأمم المتحدة، مثل بقية الدول التي كانت مستعمرة من الغرب، واستقلَّت في الستينات، وأصبحت دولاً ذات سيادة وذات علاقات دولية تؤثر وتتأثر بما يحدث في العالم. القضية الفلسطينية حالة فريدة في العالم لم يتم حلّ أزمتها، وحق شعبها في الاستقلال والاستقرار والتنمية كبقية شعوب العالم. وأزمة أوكرانيا بدأت منذ عام 2014؛ بضم روسيا جزيرة القرم، وارتفعت حدة التوتر في الأزمة بشكل غير مسبوق عند اجتياح القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي.

وشكل هذا الحدث زلزالاً كبيراً في الساحة الأوروبية، التي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تشهد توترَ ومخاوفَ قياداتها من أن يتطور النزاع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين دولها وروسيا، وما صاحب ذلك من تداعيات اقتصادية ومالية أنهكت اقتصادات أوروبا، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، التي دعمت بعشرات مليارات اليوروات حكومة أوكرانيا، وذلك في غضون سنة واحدة، إضافة إلى إيوائهم الملايين من اللاجئين الأوكرانيين في بلادهم. والسؤال المطروح هنا: ما الذي دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى تحمّل كل هذه الأعباء من تداعيات الحرب الأوكرانية؟ أجاب عن هذا التساؤل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بقوله: «لا شيء يوحدنا أكثر من وجود عدو مشترك؛ فهذا عامل قوي لوحدتنا. حرب الاجتياح الروسي وحدتنا وعززت ارتباطنا بالحلف الأطلسي». وقد سبقه بتصريحات في سياق مختلف ما ذكره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمناسبة المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم، في سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي اعتبر أن «وحدة الأوروبيين أساسية في هذا الملف، وينبغي ألا نترك أوروبا تنقسم».

في قمة جامعة الدول العربية المنعقدة بالجزائر، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أشارت نشرة المنظمة الدولية إلى مقتطفات من كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش؛ بقوله إن «وحدة العالم العربي باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصاً في هذا الوقت الذي يشهد انقسامات جغرافية سياسية متزايدة»، محذراً من أن «الانقسام يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي غير العربي، وأمام الإرهاب، والتلاعب، والفتن الطائفية».

وحول القضية الفلسطينية، قال غوتيريش إن موقف الأمم المتحدة واضح في هذا الشأن، حيث «لا بد للسلام أن يتقدم، ولا بد للاحتلال أن ينتهي. ويبقى هدفنا المشترك قيام دولتين (إسرائيل وفلسطين) تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن، على أن تكون القدس عاصمة للدولتين كلتيهما». وحقيقةً، قامت الأمم المتحدة بأدوار جداً مهمة للقضية الفلسطينية، نشير إلى بعض منها: طلب رأي استشاري من «محكمة العدل الدولية» بخصوص الجدار العازل ومدى شرعيته وآثاره، الذي صدر في يوليو (تموز) 2004، واعتبرته يمثل انتهاكاً لالتزامات إسرائيل، بموجب القانون الدولي. ومؤخراً أيضاً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، طلبت الأمم المتحدة من «محكمة العدل الدولية» رأياً استشارياً بشأن الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلال فلسطين منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها…

وفي الجانب الاقتصادي، صدر تقرير في نوفمبر الماضي عن «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» قُدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بأن الشعب الفلسطيني دفع تكلفة تراكمية باهظة تُقدر بـ50 مليار دولار، في الفترة بين 2000 و2020، بسبب القيود الإضافية التي فرضتها إسرائيل في الجزء المتاح للتنمية الفلسطينية في المنطقة «ج» بالضفة الغربية. ولعل التطور اللافت والمهم لدور الأمم المتحدة قرارها الصادر في نوفمبر الماضي، الذي بموجبه انعقدت جلسة يوم الاثنين الماضي في نيويورك، بمناسبة ذكرى النكبة الخامسة والسبعين للشعب الفلسطيني التي بدأت في 15 مايو (أيار) 1948، غداة إعلان قيام دولة إسرائيل، وألقى في هذه المناسبة الرئيس محمود عباس خطاباً طالَب فيه رسمياً «وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بإلزام إسرائيل باحترام قراراتكم هذه، أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة»، لأنها لم تفِ بالتزامات قبول عضويتها في منظمتكم، منذ إعلان قيامها، في 14 مايو 1948، بعد تصويت الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 لصالح تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ يهودية وعربية.

هناك تباينات واختلاف مصالح بين دول الاتحاد الأوروبي في مواقفها إزاء الأزمة الأوكرانية وعلاقتها بروسيا، خصوصاً في تصلّب مواقف دول أوروبا الشرقية سابقاً نحو روسيا، لكنها في المحصلة الأخيرة، رغم ذلك، أظهرت وحدتها في دعمها أوكرانيا.

وما يثير الدهشة والاستغراب بهذا الصدد أن أوكرانيا حظيت بهذا التأييد الأوروبي، وهي حتى الآن ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي. الأمن الأوروبي والاعتبارات الجيوسياسية حتمت عليهم التضامن الواسع مع أوكرانيا وشعبها.

التعليقات معطلة.