عمر حلمي الغول
ظاهرة العنصرية ليست جديدة، بل يمكن القول، إن وجودها ملازم لوجود البشرية، وإن لم يتم تشخيصها في سالف الأزمان بهذا المفهوم، ارتباطا بتطور الوعي البشري. لكنها كانت موجودة كأداة من أدوات الشر وإرهاب وحروب الإنسان ضد الإنسان. بيد أنها تجلت بأبشع صورها في القرن الماضي مع صعود الفاشية والنازية في أوروبا، وتم تشخيصها كأحد مظاهر وعوامل صعود الفاشية. ومع تطور أشكال ومظاهر الصراع في الحروب الأهلية، أو الحروب بين الدول أمست تتخذ أشكالا وأساليب متشعبة. وحدث ولا حرج في ظل وجود استعمار استيطاني إجلائي وإحلالي كالاستعمار الإسرائيلي، حيث تتجلى العنصرية في كل سلوك ومقولة وخطاب سياسي أو ديني وقانوني أو ثقافي، وفي الشارع والمقهى والمطار والعمل والمدرسة والسكن.
لكن انتشار وتفشي وباء الكورونا قزم، وأضعف التمايز والفروق بين بني الإنسان، لأن فيروس “كوفيد 19” تقريبا وحد البشر كون الجائحة لم تميز بين إنسان وإنسان، وبين غني وفقير، وبين دين ودين، وبين امرأة ورجل. لكن بعض الأنظمة السياسية المسكونة بالعنصرية وعقد النقص التاريخية من الشعب الأصيل، وصاحب الأرض والرواية الحقيقية، كما هو حال الدولة الإسرائيلية الاستعمارية القائمة على الخرافة والأساطير والأكاذيب تجاه الشعب الفلسطيني، وكما هو حال النظام السياسي اللبناني الطائفي، والذي جُّبل على الحقد وكره الشعب الفلسطيني، مع أن الفلسطينيين المشردين والمطرودين من ديارهم في عام النكبة 1948، هم من ساهم في تطور ورقي لبنان الشقيق على أكثر من مستوى وصعيد، ومن يعد لمقالة الأستاذ طلال سلمان “الفلسطينيون جوهرة الشرق” يعي الدور الهام، الذي قام به الفلسطيني تجاه اشقائه وأبناء جلدته اللبنانيين بكل ألوانهم ودون أي تمييز. ومع ذلك قام النظام السياسي بسن كم غير مسبوق من القوانين والإجراءات العنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ونكل بهم، وحرمهم من 90 مهنة عمل، ومن التملك، ومن التوريث، وكأنه صدى صوت العنصرية الصهيونية، ولكن بطريقة أبشع، لأنها تنفذ بأيد عربية شقيقة. لكن عنصرية النظام لا علاقة لها بالشعب اللبناني الشقيق، ورديف الكفاح الوطني والقومي.
وبالتوقف أمام ظاهرتين خطيرتين حصلتا في الأيام الأخيرة، نلحظ فيها التقاطع بين عنصريتين ضد الفلسطيني العربي، حيث أصدرت حكومة نتنياهو تعميما لشركة الطيران “العال” بتنظيم إعادة الإسرائيليين الصهاينة العالقين في الدول الأخرى دون نقل الفلسطينيين، وهذا الإجراء اتخذه لبنان الرسمي مع شركة الطيران “الميدلست”، ولكن أين المصيبة والعنصرية الوحشية والسافرة في تعميم كلتا الدولتين الصهيونية واللبنانية، ان تعميم مديرية الأمن العام اللبناني لشركة الطيران تحت رقم (5932/م) يقضي بعدم السماح للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان بالعودة للبنان على متن طائرات الإجلاء. وهذا ما حصل مع الشاب طارق رفيق أبو طه، المولود في لبنان وانتهت زيارته لدولة الإمارات ولا بد من عودته لبيته وأسرته في لبنان، للأسف لم يسمح له رجال الأمن اللبناني بالصعود إلى الطائرة، لأنه فلسطيني. ونفس الشيء حصل مع شاب فلسطيني كما ذكرت صابرين طه، الطالبة الفلسطينية المقدسية المقيمة في أميركا في شريط فيديو عممته على المواقع الإخبارية، قالت فيه عندما راجعنا السفارة الإسرائيلية في أميركا، قالوا لهم، أنتم لستم أولوية، وبإمكانكم الحجز لـ3 أسابيع من الآن هذا إن زبط وتمكنا من نقلكم، الأولوية للإسرائيليين الصهاينة. وأكدت أن شابا فلسطينيا تمكن من الصعود للطائرة والوصول لمطار اللد من أميركا، وعندما اكتشفوا أنه فلسطيني أعادوه على الطائرة نفسها لأميركا؟؟!!
ماذا يمكن القول أمام هذه العنصرية؟ هل رأيتم أبشع من هكذا عنصرية ضد المواطن الفلسطيني العربي؟ ولماذا كل هذا الجنوح السافر نحو العنصرية؟ القضية إنسانية بحتة، لماذا لا يسمح للفلسطيني أن يتنقل بالوثائق الرسمية الممنوحة له. الفلسطيني طارق يحمل وثيقة سفر لبنانية، والطالبة صابرين تحمل الوثيقة الإسرائيلية المؤقتة، التي تخولها الخروج والعودة للقدس، ومع ذلك يتم حرمانهم بسبب هويتهم الوطنية. ما هو المطلوب من الفلسطيني في ظل جائحة الكورونا؟ وأين الأشقاء العرب في لبنان وغير لبنان لحماية الفلسطينيين من عنصرية الأوغاد المجرمين في إسرائيل الاستعمارية والنظام اللبناني المتهالك والمريض؟
النتيجة تحتم التحرك العاجل من خلالس وزارة الخارجية وجهات الاختصاص في المنظمة لتنظيم عودة الفلسطينيين المقطوعة فيهم السبل، واللجوء للمحاكم الدولية وللجنة حقوق الإنسان الأممية للتدخل المباشر لتأمين عودة الطلبة الفلسطينيين لوطنهم وذويهم أينما كانوا. آن الأوان لوقف العنصرية الرسمية في لبنان، وعلى ادعياء المقاومة في لبنان التدخل ووقف الفجور العنصري.