اللعبة الدولية: من البعث إلى الإسلام السياسي – مشروع الهيمنة والفوضى

5

 

في ستينيات القرن الماضي، مهدت الولايات المتحدة والقوى الصهيونية لاستلام حزب البعث زمام الحكم في كل من سوريا والعراق. جاء البعث بشعارات القومية العربية والوحدة، ولكنه انتهى إلى حكم شمولي دموي قمع تطلعات الشعبين السوري والعراقي. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، شهدنا إسقاط نظامي البعث في كلا البلدين، ليحل محلهما نظامان أكثر دموية وفساداً، تحت عباءة الإسلام السياسي المتطرف .
الانتقال من البعث إلى الإسلام السياسي
جاء إسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 ونظام الأسد الأب تدريجياً في سوريا، ضمن سياق تبدو فيه القوى الدولية كأنها تسعى لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. فالعراق، بعد الاحتلال الأمريكي، وقع في قبضة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المرتبطة بإيران. أما سوريا، فشهدت بروزاً للجماعات السنية المتطرفة، مثل الإخوان المسلمين ومن ثم تنظيمات أكثر تطرفاً كالنصرة وداعش .
لكن، لماذا انتقل المجتمع الدولي من دعم أنظمة شمولية قومية إلى دعم جماعات إسلامية متطرفة؟
الأهداف الدولية وراء التغيير
1. تقسيم المجتمعات وإضعاف الدول
أنظمة البعث، رغم استبدادها، كانت تتمسك بوحدة الدول وتحد من تأثير القوى الخارجية. إسقاط هذه الأنظمة وإحلال الإسلام السياسي خلق انقسامات طائفية وعرقية عميقة، مما أدى إلى إضعاف الدول وتقسيم مجتمعاتها. سوريا والعراق تحولتا إلى ساحات صراع دائم، بين قوى إقليمية ودولية، وبين جماعات محلية متناحرة.
2. تعزيز الهيمنة الإقليمية
بالسيطرة على القرار السياسي من خلال الإسلام السياسي، استطاعت القوى الدولية إحكام قبضتها على موارد المنطقة وممراتها الاستراتيجية. فإيران، على سبيل المثال، وجدت في الفراغ السياسي بالعراق فرصة لتعزيز نفوذها، وهو ما سمح للقوى الغربية باستخدام النفوذ الإيراني كأداة توازن في المنطقة.
3. ضرب التطلعات الشعبية
كان الشعبان السوري والعراقي يتطلعان إلى الخلاص من أنظمة البعث لبناء دول مدنية تحترم الحقوق والحريات. لكن الفوضى التي أعقبت سقوط هذه الأنظمة دفعت الشعوب إلى حالة من الإحباط والخضوع لواقع جديد أكثر قسوة. يبدو أن القوى الدولية تعمدت خنق أي فرصة لظهور نظام مدني قوي ومستقل يعبر عن إرادة الشعوب.
4. استمرار النزاع لضمان المصالح
إن وجود صراعات طويلة الأمد يمنح القوى الدولية مبرراً للبقاء العسكري والاقتصادي في المنطقة. كما يضمن بيع الأسلحة وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية طويلة الأمد .
ما الذي يريده المجتمع الدولي؟
يمكن القول إن الهدف الأساسي للمجتمع الدولي ليس دعم نظام بعينه، بل ضمان عدم استقرار المنطقة بشكل يسمح بإعادة تشكيلها وفق المصالح الكبرى. فالانتقال من حكم البعث إلى الإسلام السياسي لم يكن إلا مرحلة في مشروع الفوضى الخلاقة، الذي يسعى لتحويل الشرق الأوسط إلى خارطة جديدة مقسمة على أسس طائفية وعرقية .
من يتحمل المسؤولية؟
رغم الدور الواضح للقوى الدولية، لا يمكن إعفاء القوى المحلية من المسؤولية. الأنظمة القومية السابقة غرست جذور الاستبداد والفساد، ما جعل البدائل أكثر تطرفاً. كما أن غياب القيادات الوطنية الواعية والقادرة على توحيد الشعوب لعب دوراً في تسهيل التدخل الدولي .
نحو فهم جديد للواقع
إن ما حدث في سوريا والعراق هو جزء من مشروع دولي لإعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية تخدم مصالح القوى الكبرى. ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على وعي الشعوب وقدرتها على استعادة المبادرة من خلال بناء مشروع وطني حقيقي. فالتاريخ يعلمنا أن الإرادة الشعبية قادرة على تحدي أكثر المشاريع تعقيداً، إذا توفرت القيادة والرؤية المشتركة .

التعليقات معطلة.