سيرغي أكسينوف
في السنوات المقبلة، سيدخل العالم حقبة جديدة من المنافسة العالمية، ما من شأنه أن يؤدي إلى حرب عالمية كبرى، وذلك وفقا لتحذيرات صادرة عن خبراء في مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأمريكي، “ستراتفور”، وهو من أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بالاستخبارات. ووفقا لستراتفور، قد تشهد الولايات المتحدة مواجهة عسكرية مع روسيا من جهة والصين من جهة أخرى، نتيجة التناقضات المتنامية بين هذه الدول.
يعزى النزاع بين هذه الدول إلى طموحات كل من موسكو وبكين فيما يتعلق بتغيير التوازن الجيوسياسي للقوى في العالم. وفي هذا السياق، يوقن الأمريكيون أن خصومهم لن يتخلوا عن خططهم تحت أي ظرف، خاصة في ظل الخلاف القائم بين واشنطن وهذه الدول. علاوة على ذلك، يعد التطور الهائل في مجال التكنولوجيا العسكرية من بين العوامل المؤثرة في خضم الصراع، على غرار أنظمة الدفاع الصاروخي، فضلا عن تغير مفهوم استخدام الأسلحة النووية.
في هذا الصدد، تخطط الولايات المتحدة للرد على تهديدات كوريا الشمالية من خلال نشر غواصات نووية بحجة أن هذه الخطوة من شأنها أن تحد من المخاطر العالمية لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي، ستتمتع واشنطن بما يكفي من المرونة فيما يتعلق باتخاذ القرار بشأن اعتماد أسلحة الدمار الشامل.
في المقابل، قد يؤدي هذا المخطط الأمريكي إلى عواقب وخيمة، حيث من المرجح أن توجه روسيا أو الصين ضربات للغواصات الأمريكية في محاولة لمنع أي تهديد ضدهما. أما السبب الآخر الذي قد ينجر عنه اندلاع حرب عالمية عظمى، فيتمثل في تصنيع أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصواريخ تفوق سرعتها بنحو 7 مرات سرعة الصوت، ويمكن استخدامها بصفة مباغتة ومدمرة.
على العموم، تعتبر مثل هذه الأسلحة خطرا يهدد عملية السلام التي تنص عليها معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2002، كما أن معاهدة القضاء على الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى باتت معرضة لخطر الاندثار. ومع مرور الوقت، قد يترتب عن هذه المعطيات الإضرار بمعاهدة ستارت الجديدة التي تنص على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الإستراتيجية للبلدين (روسيا والولايات المتحدة).
يمكن القول إن توقعات الأمريكيين تتطابق إلى حد ما مع انتظارات الأفراد الذين يعيشون في الأراضي التي قد تشهد أعمالا عسكرية في المستقبل
عموما، لا تختلف توقعات ستراتفور كثيرا عن التوقعات الرسمية من قبل السلطات الأمريكية. فوفقا لما أكده مدير الاستخبارات الوطنية دانيل كوتس في تقرير تحت عنوان “تقييم التهديدات العالمية”، “تعد المخاطر المترتبة عن الصراع بين الدول بما في ذلك القوى العظمى الأكثر حدة منذ انتهاء الحرب الباردة”.
تناول كوتس في هذا التقرير مجموعة من الأسباب التي قد تمهد للصراع المحتمل، إلى جانب تحديد نقاط قوة وضعف روسيا. ومن بين أبرز نقاط القوة التي تتمتع بها موسكو، محاولاتها الحثيثة لإضعاف الوحدة الأطلسية بين الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى توظيف “القوة الناعمة”، والإنترنت. من ناحية أخرى، تلعب موسكو دورا كبيرا في خضم الصراعات في كل من سوريا وأوكرانيا.
يمكن القول إن توقعات الأمريكيين تتطابق إلى حد ما مع انتظارات الأفراد الذين يعيشون في الأراضي التي قد تشهد أعمالا عسكرية في المستقبل. وفي هذا الصدد، أكدت ناديجدا سافتشينكو، الملازم الأول في القوات المسلحة الأوكرانية، أنه “بعد أربع سنوات، وكحد أقصى خمس سنوات، نتوقع اندلاع حرب كبرى. ولن تشمل هذه الحرب أوكرانيا وروسيا فقط وإنما أوروبا ككل. ولكن، للأسف، ستكون أوكرانيا المجال الجغرافي الذي ستعمد القوى إلى اختبار قدراتها ضمنه”. وفي هذا الشأن، أجرت صحيفة سفابودنايا براسا حوارا مع كونستانتين بلوخين، المحلل السياسي والخبير في مركز الدراسات الأمنية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، حول الأسباب السياسية للصراع العالمي المحتمل.
بلوخين: أن لا أعتقد أنه ستندلع حرب بالضرورة بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة إذا كان المقصود من ذلك نشوب صراع على نطاق واسع، أو بالأحرى حربا عالمية ثالثة. لكن، قد تحدث سلسلة من الاشتباكات على الحدود، وتشهد بعض المناطق الساخنة حالة من التوتر.
الصحيفة: يبدو أن هذه الاشتباكات قد حدثت فعليا. وخير مثال على ذلك، وفاة الجنود الروس في سوريا التي تعد ناتجة عن الهجمات الأمريكية في سوريا.
بلوخين: نعم، تماما… يمكن أن يتكرر نفس السيناريو في أوكرانيا وشرق آسيا، تقريبا مثلما حدث طيلة سنوات الحرب البارد. فرغم الحرب، لم تحدث مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فلطالما فضل البلدان المواجهة غير المباشرة على مسارح بلدان أخرى (مثل كوريا، والفيتنام)، حتى لا يتطور الأمر إلى حرب عالمية. فعلى سبيل المثال، كان من الممكن أن تتحول أزمة صواريخ كوبا إلى آخر أزمة في التاريخ.
بلوخين: انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية، ويبدو أن سبب الرغبة في تغيير التوازن الجيوسياسي هو ظهور اتجاهات جديدة في السياسة النووية الأمريكية
تجدر الإشارة إلى أن مواجهة عسكرية من هذا النوع هي الأكثر احتمالا في الوقت الحاضر، بينما يبدو الغزو المباشر أو الهجمات العابرة للحدود، احتمالا غير وارد. ونظرا لأن كلا البلدين يمتلكان القوة اللازمة لتدمير بعضهما البعض، فإنه سيتم حفظ السلام على الأرض. ولكن، في حال انتُهك هذا المبدأ فإن الولايات المتحدة مستعدة لمهاجمتنا بالتأكيد.
الصحيفة: ماذا عما يتداوله بقية المحللون؟
بلوخين: في الواقع، عند تحليل الثقافة العسكرية الأمريكية سيتبين أن الولايات المتحدة لا تهاجم إلا الدول الأضعف منها من حيث القوة السياسية والعسكرية. فلا تورط واشنطن نفسها أبدا في حرب إلا إذا كانت متأكدة من فوزها. وبناء على ذلك، من غير المرجح أن تقحم الولايات المتحدة نفسها في حرب واسعة النطاق ضد روسيا.
الصحيفة: لماذا يرغبون إذن في تغيير التوازن الإستراتيجي؟
بلوخين: هنا يكمن جوهر النزاع. فقد انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية، وتدور بعض الشائعات حول إمكانية انسحابها من معاهدة القضاء على الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، بالإضافة إلى معاهدة ستارت الثالثة. وبالتالي، يبدو أن سبب الرغبة في تغيير التوازن الجيوسياسي هو ظهور اتجاهات جديدة في السياسة النووية الأمريكية.
الصحيفة: إذن، هذا كل ما يتعلق بالعلاقات الروسية الأمريكية، لكن تقرير ستراتفور يشمل الصين أيضا؟
بلوخين: إذا كان الأمريكيون خائفين من روسيا، فإن الأمر يختلف مع الصين. فقد صدرت العديد من التقارير وفُتحت نقاشات حول حتمية الصراع بين الولايات المتحدة والصين، الذي تقف خلفه عدة أسباب. ففي بحر الصين الجنوبي، يوجد عاملان للصراع وهما النزاع حول جزر سبراتلي وسينكاكو.
أما العامل الثالث فيتمثل في الدفاع عن تايوان، فيما يكمن العامل الرابع في مسألة التبت. أما العامل الخامس، فيتمثل في الأويغور، أما السادس فيتعلق بحقوق الإنسان في الصين، بينما يتمثل العامل السابع في بيان ترامب الذي انتقد فيه سياسة الصين النقدية، فضلا عن سرقتها للوظائف. وأخيرا، العامل الثامن المتعلق بدعم بكين لكوريا الشمالية.
بلوخين: يعلم الأمريكيون حجم الخسارة الهائلة التي من الممكن أن يتكبدوها في حالة الحرب مع الصين، ولكن يبدو أنهم على استعداد لتحمل تبعاتها
حيال هذا الشأن، تحدث غراهام أليسون عن حتمية الحرب بين الصين والولايات المتحدة، مؤكدا على ضرورة تجاوز “فخ ثيودوروس”، مثل الصراع الذي وصفه التاريخ اليوناني في تاريخ الحرب البيلوبونيسية، الذي تميز بفترة من التنافس بين إسبرطة وأثينا، حيث كانت إسبرطة مثل الولايات المتحدة وأثينا مثل الصين، وقد احتدمت المنافسة بينهما إلى أن نشب صراع حقيقي بين الطرفين.
في دراسته لتاريخ العلاقات الدولية، حلل أليسون 16 حالة تبين كيف كانت إحدى القوى هي المهيمنة، ثم برزت قوة أخرى تنافسها. وفي 14 حالة من أصل 16، أدى ذلك لاندلاع حرب. وبما أن التاريخ يزخر بأمثلة من هذه الصراعات، فإنه من المتوقع اندلاع حرب كبرى بين بكين وواشنطن.
الصحيفة: ولكن، ماذا عن العلاقات الاقتصادية التي تجمع بين البلدين؟ إذ يذكر أن 90 بالمائة من البضائع التي تباع في الولايات المتحدة، تحتوي في جزء منها على قطع مصنعة في الصين.
بلوخين: هذا لا يمثل رادعا للحرب. ففي كتابه تحت عنوان “الوهم العظيم”، ذكر نورمان آنجيل أن الترابط بين اقتصاد فرنسا وألمانيا وإنجلترا يجعل حدوث الحرب بينهم أمرا شبه مستحل. وقد أشاد الجميع بهذا الكتاب، ولكن اندلاع الحرب العالمية الأولى فند هذه النظرية. وينطبق الأمر نفسه على الوضع الراهن بين الولايات المتحدة والصين.
الصحيفة: إذا نشبت حرب بين الصين والولايات المتحدة، فإن الأمريكيين هم من سيبدؤون الهجوم؟ ولكنهم سيعانون من تبعات ذلك، نظرا لأن الصين قوة نووية لا يستهان بها
بلوخين: إنها مفارقة، إذ يعلم الأمريكيون حجم الخسارة الهائلة التي من الممكن أن يتكبدوها في حالة الحرب، ولكن يبدو أنهم على استعداد لتحمل تبعاتها. في الأثناء، يعد احتواء الصين التوجه الرئيسي في السياسة الأمريكية.
بالنسبة للولايات المتحدة، تبقى الصين التهديد الرئيسي، ولهذا من المحتمل أن تجنح إلى شن هجوم ضد روسيا على اعتبارها الحلقة الأضعف في هذه الدائرة
الصحيفة: لكن، الصين تعد حليفا لروسيا، فهل يعني ذلك أن موسكو ستضطر للتدخل؟
بلوخين: تدرك واشنطن جيدا أن مركز قوة أي دولة يعتمد بالأساس على المجالين الاقتصادي والعسكري، مع العلم أنها تتمتع بقدرات هامة في المجالين، بينما لا يتسم خصومها بالقوة سوى في مجال واحد. ففي الواقع، تعد روسيا قوية من الناحية العسكرية، إلا أنها هشة من الناحية الاقتصادية والعكس صحيح بالنسبة للصين. وبالتالي، تسد كل دولة النقص الذي تعاني منه الدولة الأخرى، حيث تلعب روسيا دور الحارس الشخصي للصين، طالما أن هذه بكين تساعدها في تطوير اقتصادها.
على العموم، وبالنسبة للولايات المتحدة، تبقى الصين التهديد الرئيسي، ولهذا من المحتمل أن تجنح إلى شن هجوم ضد روسيا على اعتبارها الحلقة الأضعف في هذه الدائرة، لتتمكن من التعاطي مع المعضلة الصينية في وقت لاحق.