المخاطرة الضرورية للضربات العسكرية الأميركية في اليمن

1

بلال صعب

بلال صعب* خدمة «نيويورك تايمز»

من خلال ضرب أهداف للمتمردين الحوثيين في اليمن، بالتعاون مع بريطانيا، الخميس، بعثت واشنطن برسالة قوية إلى كل من الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، مفادها أن الولايات المتحدة وضعت نهاية لموقفها القائم على الدفاع فقط الذي طال أمده في البحر الأحمر. كما تكشف الرسالة الأميركية عزم واشنطن على وقف هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن التجارية في المياه الإقليمية.

حتى هذه اللحظة، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح، بالنظر إلى تعنُّت الحوثيين وحقيقة أنهم يستفيدون من التورط في القتال مع واشنطن. ويعزز مثل هذا الصدام أوراق اعتمادهم لدى أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، ويصرف الانتباه عن حكمهم المروع في شمال غربي اليمن وعاصمة البلاد.

إلا أنه جراء التهديد المتفاقم الذي يشكله الحوثيون على حرية التجارة والملاحة بالبحر الأحمر – طريق شحن عالمي رئيسي وينطوي على مصالح أميركية جوهرية في المنطقة – كان لزاماً على واشنطن أن تتحرك.

من جهته، قال الرئيس جو بايدن إنه مستعد «لتوجيه مزيد من الإجراءات لحماية شعبنا والتدفق الحر للتجارة الدولية حسب الضرورة». وإذا التزم بايدن بهذا النهج الحازم الجديد، وزوّد القوات الأميركية في المنطقة بالسلطة والموارد التي تحتاج إليها، وربط أي استخدام آخر للقوة مع الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الكارثية بين إسرائيل و«حماس»، فإن فرصه في كبح جماح الحوثيين ستتحسن.

بعد هجوم جماعة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وإعلان إسرائيل الحرب، تعهد الحوثيون بشن هجمات تهدف إلى تعطيل السفن الإسرائيلية أو السفن الأخرى التي تحمل البضائع إلى «الموانئ الفلسطينية المحتلة»، بهدف إظهار التضامن مع الفلسطينيين في غزة. ومنذ 17 أكتوبر، هاجم الحوثيون أو تحرشوا بما لا يقل عن 27 سفينة في ممرات الشحن الدولية. وفي 11 يناير (كانون الثاني)، ردّت الولايات المتحدة وتحالف صغير من الحلفاء بضرب أكثر من 60 هدفاً داخل اليمن، بما في ذلك أنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي ومواقع التخزين والإطلاق الخاصة بالحوثيين. كما وجهت الولايات المتحدة جولة أخرى من الضربات ضد الحوثيين، الجمعة.

وثمة مخاطر وشكوك واضحة تحيط بالهجمات التي شنتها واشنطن ولندن. وقد أعلن الحوثيون، الذين رفعتهم وزارة الخارجية من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية في فبراير (شباط) 2021 من أجل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى أجزاء من اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، عزمهم الانتقام. وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد ترغب واشنطن بشدة في تجنبه، حسبما يتضح من الزيارات المتكررة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة.

من ناحية أخرى، نجد أن سجل الهزيمة السياسية أو التدمير العسكري أو حتى ردع الميليشيات الراسخة والشرسة في الشرق الأوسط من خلال استخدام القوة وحدها، سجل رديء. على مدى عقود من الزمن، حاولت إسرائيل إبقاء «حزب الله» و«حماس» بمنأى عنها، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وفي خضم الحرب الراهنة، فإن تعهد إسرائيل بالقضاء على «حماس» في غزة غير قابل للتنفيذ.

ولعل الشكوك الكبرى في هذه المواجهة الجديدة تحيط بطبيعة شراكة الحوثيين مع إيران. منذ عام 2014 على الأقل، زادت إيران دعمها للحوثيين، لأسباب منها أن الجماعة تتيح لإيران إمكانية الوصول إلى مضيق باب المندب الاستراتيجي، واستعراض قوتها هناك. ويُعتقد أن الأموال وجهود التدريب والاستخبارات الإيرانية ساعدت في تمكين الحوثيين من ضرب أهداف تجارية في البحر الأحمر بالفترة الأخيرة. ومن دون هذه المساعدة السخية، قد يفقد الحوثيون قدرتهم على إلحاق ضرر كبير بحركة الشحن هناك.

إلا أنه لا يزال من غير المعروف مدى السيطرة المباشرة التي تمارسها إيران على قيادة الحوثيين، بما في ذلك ما إذا كان بإمكان طهران أن تأمر الجماعة بوقف عدوانها. وقد يتمتع المتمردون باستقلالية أكبر من العديد من الأعضاء الآخرين في شبكة وكلاء إيران، فيما يتعلق باستخدام العنف الاستراتيجي ضد خصومهم. وحتى لو تعرضت إيران لضغوط دبلوماسية مكثفة أو تهديد حقيقي باستخدام القوة وتوقفت عن دعمها للحوثيين، فإن ذلك قد لا يمنع الجماعة من استخدام الأسلحة التي تمتلكها بالفعل، وهو أمر لا يستهان به. وبمقدور الحوثيين، من الناحية النظرية، البقاء مالياً بمفردهم، بالنظر لسيطرتهم على إيرادات الدولة ومواردها في اليمن.

ومع ذلك، ورغم كل هذه المخاطر، ليس أمام الولايات المتحدة خيار سوى الرد على عدوان الحوثيين، خصوصاً أن لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مصالح كبرى بالبحر الأحمر لكونه نقطة دخول للسفن التي تمر عبر قناة السويس، التي يمر بها 12 في المائة من التجارة العالمية.

ومع ذلك، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل بأن هذا التفجر لن يؤدي إلى صراع أعمق. وفي حين أن هناك مخاوف مفهومة من أن إيران قد تنتقم نيابة عن الحوثيين، فإن طهران ليست متهورة، بجانب أنه من الممكن ردعها. وقد نجحت القوة العسكرية الأميركية في منع إيران من تقويض حرية الملاحة في المياه الدولية في أواخر الثمانينات. في أبريل (نيسان) 1988، أطلقت البحرية الأميركية «عملية فرس النبي» ضد أهداف إيرانية في الخليج العربي، رداً على استخدامها لغماً ضد سفينة حربية أميركية كبيرة – خطوة ساعدت في نهاية المطاف على وضع حد للصراع الإقليمي طويل الأمد. وفي الآونة الأخيرة، نجحت غارة أميركية بطائرة من دون طيار أدت إلى مقتل القائد الإيراني الأعلى قاسم سليماني في العراق عام 2020، في منع إيران من تصعيد عدوانها ضد المصالح الأميركية في المنطقة، تبعاً للجنرال كينيث ماكينزي جونيور، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية.

ومع ذلك، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تعتمد على النهج العسكري وحده. ويجب عليها كذلك أن تستمر في اتباع دبلوماسية أكثر فاعلية فيما يتعلق بغزة والمنطقة كلها.

من جهتهم، يزعم الحوثيون أن حملتهم تهدف إلى دعم «حماس» ووقف الحرب الإسرائيلية، لكن الجيش الأميركي قال إن العديد من هجمات الحوثيين الأخيرة في البحر الأحمر لم تقتصر على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها أو منها. ويمكن لواشنطن أن تكشف عن هذه الخدعة من خلال تحقيق انفراجة دبلوماسية في غزة – أو حتى وقف إطلاق النار، مع أن الولايات المتحدة لم تطالب بذلك بعد. ربما لا يوقف ذلك العدوان الحوثي، لكنه سيعزز الجهود الدبلوماسية التي تبذلها واشنطن لتشكيل تحالف دولي أكبر يهدف إلى التصدي للتهديد الحوثي.

وكلما ظهر الحوثيون أكثر تعنتاً وتهوراً، كلما اتسع الإجماع الدولي على مواجهتهم وزادت الضغوط الدبلوماسية التي يمكن ممارستها ضدهم، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية صارمة وإعادة تصنيفهم منظمة إرهابية.

في الواقع، يمثل الحوثيون مشكلة تجاهلها العالم لفترة طويلة، ما سمح لها بالتفشي والاستشراء، لكن الأمر ليس خارج نطاق السيطرة بعد. ويتطلب إيجاد حل إرادة سياسية، وتعاوناً دولياً، وربما في المقام الأول، التواضع في فهم حدود قوة الولايات المتحدة داخل شرق أوسط دائم التغير.

التعليقات معطلة.