سمير عطا الله كاتب وصحافيّ لبناني، عمل في كل من صحيفة النهار ومجلتي الاسبوع العربي والصياد اللبنانية وصحيفة الأنباء الكويتية.
يعيد فلاديمير بوتين، الباحث عن الأراضي الإمبراطورية القديمة، إلى ذاكرة المؤرخين حكاية الأميرة الألمانية صوفيا، التي سوف تتزوج القيصر بطرس الثالث، وتتخذ لنفسها الاسم الروسي أي كاترينا (كاترين) الثانية، ولم تسمح بمناداتها «كاترين العظمى» إلا بعد وفاتها.
عظيمة حقاً كانت كاترين. لكن زواجها كان بائساً ودام فقط تسع سنوات، توفي القيصر بعدها في ظروف غامضة، وإشاعات التسمم. وكتبت في مذكراتها عن ليلة الزفاف عام 1745: «لقد ذهب سريعاً إلى النوم. واستمر الوضع كذلك طيلة السنوات التسع».
أمضت الأرملة وقتها في قراءة الفلاسفة والأدباء الكبار مثل فولتير، ومونتسكيو، وديدرو. وراسلتهم ودعتهم إلى الإقامة في قصر أرميتاج، الذي جعلت منه أكبر متحف للوحات الفنية في العالم.
أزاحت كاترين بطرس الثالث بالقوة. واستمر جلوسها على العرش 34 عاماً، أطول مدة تقضيها امرأة في حكم روسيا. ومضت دون كلل في تحديث البلاد، وفي توسيع الإمبراطورية، حتى أصبحت الأكبر على وجه الأرض.
كانت كاترين الثانية تستيقظ في الخامسة صباحاً كل يوم وتشرف بنفسها على تنفيذ المشاريع الصحية، وإقامة المدارس، ودور الأيتام.
رفعت رايات السلام مع أوروبا، وعند الحاجة خاضت الحروب بقسوة. وضمت القرم من العثمانيين، وعملت على تقسيم بولندا، ووسعت إمبراطوريتها مساحة 200000 ميل. وكانت تلك الحملات غالباً بقيادة رجال أُشيع أنهم مقربون جداً منها. وكان أحد هؤلاء غريغوري أورلوف، الذي ساعدها على الاستيلاء على العرش. أما أقوى «المفضلين» على الإطلاق فكان غريغوري بوتكمين، الذي تردد أنه تزوج من الإمبراطورة سراً. وقد تولى إنشاء أسطول ضخم على البحر الأسود، وفتح الطرق الاستراتيجية في جنوب الإمبراطورية.
يتطلع فلاديمير بوتين إلى القرن الثامن عشر ويرى زمناً إمبراطورياً مرصعاً. ويتطلع في القرن العشرين فيرى أن ميخائيل غورباتشوف هو المسؤول عن تفكيك تلك الإمبراطورية. ولا يخفي إعجابه بستالين، صاحب السمعة الأسوأ بين قادة روسيا، أباطرة وشيوعيين. وقد تداخل التاريخان الروسي والألماني على الدوام. ليس فقط في مرحلة كاترين، بل كانت ألمانيا هي من سهَّل دخول لينين إلى روسيا. والعلاقة بين موسكو وبرلين على أشد توترها الآن بسبب حرب أوكرانيا.
إنه التاريخ في لعبته المفضلة: حدود معرَّضة للاختراق كل مرة على نحو فريد. مرة ترسل ألمانيا أميرة مجهولة لتصبح أهم إمبراطورة، ومرة ترسل فلاديمير إيليتش لينين لقلب النظام القيصري.