المرشح المصري لليونيسكو.. ودور الدبلوماسية الثقافية فى تعزيز التفاهم بين الشعوب 

3

محمد محمود

تتجه الأنظار صوب باريس لمتابعة حدث دولي متميز، فاليوم تجري انتخابات اختيار المدير العام الـ12 للمنظمة الثقافية الأعرق على المستوى الدولي “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونيسكو”، ويتنافس في تلك الانتخابات مرشح من مصر ومرشح من جمهورية الكونغو.

يعكس التأييد العربي الذي يحظى به المرشح المصري “د. خالد العناني” عدم صحة التصور الرائج مؤخراً تحت وقع الأزمات في المنطقة، بأن العرب لا يتفقون على شيء وأن لا مصلحة مشتركة تجمعهم، إلا أن الإجماع العربي يضحد هذه التصورات، ويلفت النظر أيضاً إلى إيمان عربي بالدور الثقافي لمصر، عكس السردية التي راجت مؤخراً بوجود تراجع ثقافي مصري.

اللافت وجود إجماع كبير أيضاً من الدول الأفريقية على تأييد المرشح المصري الدكتور خالد العناني، وهو ما يعني أن المساحات المشتركة لا تزال قوية بين مختلف دول أفريقيا، وأتوقع أنه في حال فوز الدكتور خالد العناني فإن الثقافة والتراث الأفريقيين سيحظيان باهتمام منقطع النظير، فهو من أفريقيا وأفريقيا منه.

تأتى “اليونيسكو” فى مقدمة الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة كونها تهدف إلى تعزيز التعليم والعلوم والثقافة وقيم التواصل والتفاهم بين الشعوب، ويتم انتخاب المدير التنفيذي للمنظمة كل أربعة أعوام، ويتولى الإشراف على تنفيذ البرامج والسياسات التى تتبناها اليونيسكو، ولدى العناني خطة متكاملة لاستكمال جهود تطوير كفاءة وفاعلية اليونيسكو.

حرص “العناني” على القيام بعدد من الجولات والزيارات (65 زيارة) خلال ما يقرب من 30 شهراً للتعرف على وجهات النظر المختلفة قبل صياغة رؤية متكاملة لتطوير المنظمة، وزار بصفة خاصة جميع الدول الأعضاء فى المجلس التنفيذي لليونيسكو، وشهدت الحملة الانتخابية للعناني بعض مشاهد التكريم التي تليق بمكانته العلمية والثقافية، حيث حصل وزير السياحة والآثار المصري الأسبق على جوقة الشرف برتبة “فارس” من فرنسا، تكريماً لمسيرته المهنية الاستثنائية فى خدمة التراث المصري والبحث العلمي والتعاون الثقافي الدولي. 

كما تعددت المناسبات التى أعلنت فيها فرنسا صراحةً تأييدها الكامل لترشيح خالد العناني لمنصب المدير العام لليونيسكو، وأن فرنسا تظل ملتزمة بخدمة العمل متعدد الأطراف الذي تعد اليونيسكو إحدى المنظمات الذي تجسده فى مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال والإعلام، وتأييدها لترشيح د. العناني يرجع لشراكات ممتدة مع فرنسا والدول الفرانكفونية فى مجالات الآثار والثقافة، وكما هو معلوم فإن الدعم الفرنسي لن يأتي من فراغ، ففرنسا بلد الأنوار، التي تعتبر نفسها ويعتبرها العالم من الدول الأمينة على الثقافة والتراث العالميين، ستكون دقيقة للغاية في اختيار من تدعمه كونه سيقوم بدور حارس الأنوار والثقافة.

 وقد شهدت الزيارة التي قام بها د. العناني إلى أبوظبي واللقاءات التي أجراها مع كبار المسؤولين في دولة الإمارات الشقيقة نقاشات ثرية حول دور الدبلوماسية الثقافية في مد الجسور بين الدول والشعوب، والاهتمام الراسخ لكل من مصر والإمارات بتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة وقيم التسامح والتعايش المشترك، ومن المعلوم الدور الذي قامت به الإمارات في إحياء والحفاظ على الإرث الثقافي في مدينة الموصل بالعراق، ومشروع إعادة التأهيل واستعادة الطابع لمدينة الموصل كان محل إشادة من “أودري أزولاي” مدير عام اليونيسكو المنتهية فترة ولايتها. 

كما تستعد كل من الإمارات ومصر لمناسبات بارزة في الربع الأخير من العام الجاري، تعزز من الدور الريادي لكل منهما في التأثير على المشهد الثقافي العالمي التاريخي والمعاصر، وفي حين تستعد القاهرة لافتتاح المتحف المصري الكبير والذي يُعد أكبر متحف في العالم تم تخصيصه لحضارة واحدة، تستكمل أبوظبي استعداداتها لافتتاح متحف زايد الوطني، وتلك المراكز الثقافية العالمية تعكس دور للدبلوماسية الثقافية لكل دولة في بناء المستقبل.

نحن أمام مشهد قد يبدو جانبياً في ظل ما تعيشه المنطقة من أزمات، إلا أنه وفي واقع الأمر محوري وذو طابع جيوسياسي، حيث سيتولى العرب وأفريقيا حراسة ثقافة وتراث العالم، وهو مكسب ذو وزن جيوسياسي ثقيل سيظهر للعلن بمجرد أن تتراجع حدة الأزمات الحالية.

التعليقات معطلة.