سمير عطا اللهكاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
نال العالم اللبناني – البريطاني السير بيتر مدور جائزة «نوبل» عام 1960 نتيجة إنجازات في عمليات زرع الأعضاء البشرية في أجسام غريبة. ولُقّب في عالم الطب «أبو الزرع». جاء الرجل لزيارة بلد والده، وأجريت معه مقابلة في فندق «سان جورج»، مع أن زوجته كانت تنهره طوال الوقت: هذا الشاب لن يفهم عليك ما تقول.
الحقيقة أنني حاولت وفهمت وكتبت. الذي لم أفهمه حتى اليوم رفض العرب للجسم الواحد. لم أفهم إلى الآن كيف سقطت أول وحدة عربية بين مصر وسوريا (1958 – 1961) بعد ثلاث سنوات من التنافر والتناحر، بين الحكومتين والشعبين والجيشين. ودائماً حول مظاهر سخيفة، كما تروي مذكرات رجال المرحلة.
بعدها لم يمرّ شهر من دون إعلان وحدة ثنائية، أو ثلاثية، أو رباعية. وعاشت أطولها أربعة أشهر. وأصر الفتى المبتدئ «معمر» على المناضل العظيم «بورقيبة» على وحدة فورية دامت فترة إعلانها. وقامت وحدة بين سوريا وجعفر النميري والأخ معمر، وانتهت في نهاية التصفيق. وأُعلنت وحدة بين سوريا والعراق، وكانت أشد عداء من الطلاق. وانضم اليمن إلى سرب الوحدات، وفاز عبد الله السلال برتبة مشير. ورآه الزميل محمد خالد القطمة في مطار القاهرة وسلم عليه، وحاول أن يطرح عليه بعض الأسئلة. لكنه لاحظ أن المشير كان يشاور مرافقه المصري قبل الرد على السؤال.
حوّل بعض السياسيين العرب، الوحدة، إلى تهريجة مهينة. واعتقد البعض أن تلك محاولة مقصودة لتسخيف أهم عمل عربي ممكن.
عندما نتساءل: «لماذا وصلنا إلى هنا؟»، يجب أن نتذكر الذين أوصلونا إلى هنا. ويجب أن نتذكر مهرجانات الحقد والكره. وأننا في الطريق إلى فلسطين، دمّرناها ودمّرنا معها الدول العربية على جانبي الطريق. ويجب أن نتذكر، خصوصاً، أن الذين سلمناهم مقاليد البلدان أعطونا ما لديهم. وأعطونا من طباعهم ومما يعرفون. نحن هنا ليس من اليوم. نحن هنا من يوم أُسقطت الوحدة بين مصر وسوريا، لكي تقوم بين مصر واليمن. ونحن هنا منذ أن أصبحت فلسطين «دمية العالم العربي». ومنذ أن أصبحت تهمة الخيانة في سهولة تحية المساء. ومنذ أن فُقد التراحم بين الحكام، ومنذ أن أخذ الحاكم القوي يحاصر الحاكم الضعيف، بالإهانات والشتائم وحتى البذاءات. جسم يرفض كل شيء. وعقل يرفض كل منطق. وشعوب تصفق للتقصيب.
كان على بيتر مدور أن يعطينا سرّ الزرع. وكيف نعطي المناعة لجسم الوحدة. وكيف ندرك أن الاهتراء يبدأ من الداخل، وخصوصاً كيف نخرج من إملاءات «المرافقين»، كما يحصل في باب المندب، حيث أُعطي الحوثي لقب المشير وينفذ أوامر المشيرين.