المعارضة العراقية: أكثر انقسامًا من النظام… وأقل منه حضورًا !

45

 

 

في مشهد سياسي معقد وواقع وطني مأزوم، تقف المعارضة العراقية أمام اختبار وجودي حقيقي. فبعد أكثر من عقدين على إسقاط النظام السابق، لم تستطع قوى المعارضة – سواء التي في الداخل أو الخارج – أن تشكل بديلًا حقيقيًا للنظام القائم أو تبلور مشروعًا وطنيًا جامعًا يُخرج العراق من أزماته المتراكمة.

تشظي بلا رؤية

المعارضة العراقية تعاني من انقسامات أفقية وعمودية، تتوزع بين تيارات مدنية وأخرى دينية، وقوى قومية ومناطقية، ووجوه سياسية بين الداخل والخارج. كل طرف يرى في نفسه المشروع، وفي الآخر خصمًا أو تهديدًا. هذه الانقسامات حوّلت المعارضة إلى كيانات متنازعة، لا تملك الحد الأدنى من التنسيق أو التوافق على رؤية سياسية مشتركة.

الأزمة ليست فقط في العدد الكبير من القوى، بل في غياب مشروع وطني جامع ذي ملامح واضحة، يُقنع الشارع العراقي، ويخترق جدار اليأس الشعبي. فالعديد من هذه القوى ما زالت تدور في فلك الشعارات العامة واللغة النخبوية، من دون أدوات تنفيذية أو بدائل عملية.

فقدان ثقة الداخل

مع تزايد الغضب الشعبي من الطبقة السياسية الحاكمة، كان من المفترض أن تكون المعارضة هي الحاضنة الطبيعية لصوت الناس. لكن هذا لم يحدث. السبب يعود إلى فقدانها للمصداقية لدى الشارع، إذ يُنظر إلى أغلب رموزها على أنهم امتداد لفشل سابق، أو مجرد نسخ ناعمة من النظام، أو أشخاص يعانون من انتهازية سياسية ويتكئون على خطاب عاطفي لا يستند إلى أفعال ملموسة.

إضافة إلى ذلك، فشلت المعارضة في بناء جسور ثقة مع قوى الاحتجاج والحراك الشعبي، الذي لا يزال يتعامل بحذر مع كل ما هو سياسي، بعد أن خذلته أغلب التجارب، بما في ذلك تلك التي تبنّت خطابًا معارضًا ثم سرعان ما تماهت مع السلطة.

الاتكال على الخارج: رهان خاسر

جزء كبير من المعارضة، خصوصًا تلك المقيمة في الخارج، لا يزال يعوّل على دعم إقليمي أو دولي لإحداث تغيير في المعادلة السياسية العراقية. لكن هذا الاتكال لم ينتج شيئًا سوى مزيد من العزلة. فالدول الإقليمية والدولية لا تراهن اليوم على قوى مشتتة، غير فاعلة على الأرض، ولا تحظى بتمثيل شعبي حقيقي.

وهنا تكمن المعضلة: فبدل أن تستثمر المعارضة في الداخل وتعيد بناء علاقتها مع المجتمع وقواه الحية، فضّلت الهروب إلى الخارج، وتقمصت دور “المعارضة الصامتة” التي تنتظر لحظة انفجار ما، كي تعود إلى المشهد دون أن تدفع كلفة النضال الداخلي.

بين الفرصة والاندثار

في ظل الفشل المتكرر للنظام السياسي، واستمرار الأزمات، تبقى الفرصة قائمة أمام المعارضة لإعادة تموضعها، شرط أن تعيد النظر في بنيتها، وتتوحد حول ثوابت وطنية جامعة، وتبني خطابًا واقعيًا جديدًا، يزاوج بين الطموح الشعبي والحقائق الميدانية.

فالعراق لا ينقصه المعارضون، بل تنقصه معارضة حقيقية تحمل مشروعًا، وتبني جسور الثقة مع الداخل، وتقطع الحبل السري مع حسابات الخارج. أما غير ذلك، فلن تكون المعارضة سوى صدى هامشي في مشهد يزداد تعقيدًا، ونظام يجيد بقائه بسبب فشل خصومه من المعارضين أكثر من نجاحه كنظام سياسي يخدم الشعب.

التعليقات معطلة.