مقالتي هذه تصبُ في أفادة صانعي القرار السياسي في العراق من هذه الأزمة التي عصفتْ بالمنطقة وبشقيه الرسمي والشعبي ، وكيفية التعامل مع المشكلات التي نجمتْ بعد الأحتلال الأمريكي البغيض للعراق ، وكذلك أثرها على العلاقات السياسية والأقتصادية والثقافية والأجتماعية للعراق مع دول الجوار والعالم ، كما أتوخى أن أضيف خلال هذهِ المدونة السياسية بعداً أكاديمياً في مجال فهم وتحليل العلاقات العراقية وتلك الدول المعنية ( الأقليمية والدولية ) وتوضيح التحديات التي يواجهها العراق مع تبيان تلك العلاقة ًضمن سياقها العربي والعالمي .
ولوصف العمليات العسكرية التي وقعتْ على العراق في 2003 يمكن أن أسميها بالغزو الأمريكي للعراق أو حرب الخليج الثالثة التي هي ( حرب العراق أو أحتلال العراق عسكرياً ) ، بدأتْ عمليات أحتلال العراق في 19 آذار2003 من قبل أمريكا والأئتلاف الغربي وبأدلاء عرب خلايجة ( الأخوة الأعداء ) ، وشكلتْ القوات الغازية الأمريكية والبريطانية نسبة 98%من هذا الأئتلاف المشؤوم ، وقد تسببتْ حرب الأحتلال هذهِ خسائر بشرية ومادية تدميرية للبنى التحتية بالأضافة إلى تدمير ( المنظومة الأخلاقية ) للشعب العراقي وتلك هي الكارثة الكبرى !؟ وفي عصرنا التي هيمنتْ فيهِا المصالح على ( الآيديولوجيات) وأتجهتْ الكثير من الدول إلى تنشيط علاقاتها مع من كانت دولاً تصنف في خانة أعدائها لتنقلها إلى خانة شركاء المصالح ، بل أعتماد المصالح مقياساً للعلاقات بين الدول ليس جديدا على العلاقات الدولية ، فمنذُ فترة ما بعد الحرب الثانية وقبلها وأثناءها حلت ( البراغماتية ) محل المباديء والثوابت في العلاقات الدولية وحتى شملت الوثائق الأممية للأمم المتحدة التي باتتْ تعمل بأزدواجية مع القضية الفلسطينية وفرية حيازة أسلحة الدمار الشامل وكذا مع دول الناتو اليوم ، وللزعيم البريطاني ونستون تشرشل مقولة كان ولا يزال يرددها ساسة الغرب والبريطانيون خاصة هي ( —- أنهُ لا توجد لبريطانيا صداقة ثابتةٌ ، ولا عداوةٌ دائمة ، بل مصالح دائمة ) على الرغم من أن (الميكافيلية ) لم تكن بعيدة عن ممارسات كثير من الأنظمة في الشرق الأوسط ألا أن العاطفة والتشبث بالمواقف المبنية على ممارسات كثير من الأنظمة ومواقف تسبغ عليها صفة المباديء وهي لم تعد مخفية في بعض الدول الغربية والأقليمية ، وأن البديل السياسي بعد الأحتلال لنظام البعث وزعيمهُ صدام حسين كان ومع الأسف كانت تلك الشلة المتنافرة والمختلفة عقائديا وفكرياً متجلببين بالمحاصصاتية والذاتية الحزبية والطائفية والعرقية الضيقة ، وأدخلوا البلاد في نفقٍ مظلم وحصل ما حصل من الفساد المالي والأداري وضياع السيادة العراقية وبالتالي الخضوع الأنبطاحي لقبول تلك الوثيقة الأمنية الغير متكافئة والمهينة للعراق ، بعد صدور قرار مجلس رقم 1790 / في 2007 ورسالة رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى مجلس الأمن في 7/12/ 2007 ورسالة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس الأمن والمرقم 12 في 10/ 2007 قررالمجلس السياسي في العراق البدأ بالمفاوضات مع الجانب الأمريكي لغرض سحب القوات الأمريكية من العراق وأبرام أتفاقية بين البلدين لهذا الغرض ، ولهذا الموضوع الحساس عُقد أول أجتماع في وزارة الخارجية العراقية في 11/3 /2008 وأتفق الطرفان على كتابة الأتفاقية الأمنية .
و بات بتأريخ لا يتعدى حزيران 2009 ، على أن تنسحب جميع القوات الأمريكية بتأريخ لا يتعدى 31ديسمبر 2011 .، وبديباجة نصّتْ : أن جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، أذ يقران تعزيز أمنهما المشترك والمساهمة في السلم والأستقرارالدوليين ، ومحاربة الأرهاب في العراق والتعاون في مجالات الأمن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة أمن ووحدة أراضي العراق ونظامهِ الديمقراطي الأتحادي الدستوري ، وتؤكد الوثيقة على الأحترام الكامل كل منهما وفق أهداف ومواثيق الأمم المتحدة ورغبة كل منهما في التوصل إلى تفاهم مشترك الذي يعزز التعاون بينهما ، دون تجاوز سيادة العراق في أرضهِ ومياههِ وأجواءهِ بناءً على أنّ الدولتين مستقلتين متكافئتين ذواتى سيادة فقد أتفقتا على فقراتها الثلاثين .
الآثار السلبية للأتفاق الأمني الأمريكي العراقي
أن الحكومة العراقية وقعت في 2011 على هذه الأتفاقية أو ( البقعة السوداء ) في تأريخ العراق السياسي ، وهم فرحون ويتبجحون في أستعمالها اليوم في الدعاية الأنتخابية ما هي ألا خاتمة أمل لأخبث مستعمر أمبريالي خرج كظالم وبقي الشعب المظلوم ، فهي ضربة ( معلم ) أمريكي في أستغفال سياسيي الغفلة ، وسوف أستعرض أغلب الفقرات بما فيها المعلنة والمخفية ——
-أنّ نُسخْ الأتفاقية الأمنية دخلت في جوٍ من الضبابية ، لا نعلم أية نسخة نعتمد ؟ هل نسخة المالكي رئيس مجلس الوزراء آن ذاك ؟أم نسخ وسائل الأعلام المتعددة ! أم نسخة البرلمان العراقي !ّ أم نسخة الكونكرس الأمريكي !!! ، بالمناسبة ( أن الكونكرس الأمريكي لم يصوّتْ على تلك الأتفاقية والذي صوّت عليها البرلمان العراقي ).
– وأن البعض يعتقد أن الأتفاق العسكري الذي جرى بين العراق وأمريكا هو تأريخ 2011 ، لا يا سادة ويا كرام أنها ترجع لقبل أربعة عقود مضت من القرن الماضي ، وأمريكا أقحمتْ نفسها في منطقة الطاقة لرسم خارطة جديدة بدل خارطة سايكس بيكو ، ورسمت على بناء قواعدٍ لها في المنطقة فكان عام 1951 بناء قاعدة الظهران في السعودية ، وقاعدة عسكرية في سلطنة عُمان 1980 ، وقاعدة الحديدة والسيلية في قطر 1996 ، وقاعدة معسكر الدوحة وقاعدة عريفان في الكويت سنة 1987 ، وكشف تقرير لموقع كلوبال ريسيرج الأمريكي عن وجود 800 قاعدة عسكرية أمريكية في العالم بينها ست قواعد ثابتة في العراق بعد 2011 ، أما في 2017 حسب قنوات الأعلام العالمية أن القواعد العسكرية في العراق أزدادت إلى 8 قواعد عسكرية تنتشر في 7 محافظات تحتوي على 500 6 جندي من المارينز وأخرى تذكر 12 قاعدة ، والحقيقة في الأخبار السرية أن هناك 75 قاعدة ومعسكر ثابت ومتحرك ، نتساءل أين السيادة المعلنة من الأتفاقية ؟ !.
– والتناقض واضح في نص الديباجة التي تقول : ( —- بناءاً على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتي سيادة )، لآ أدري عن أي سيادةٍ يتحدثون ؟ وقوات المحتل تنتشر في شمال ووسط العراق بأكثر من 8 آلاف جندي وأكثر من ثمان قواعد عسكرية خمسة منها في الأقليم والباقي في وسط البلاد دون أخذ رأي الحكومة العراقية ، ويحق لأمريكا أستخدام الأرض العراقية في تسهيل حركة عرباتها العسكرية متى شاءت !؟، ولآغراض تنفيذ هذه الأتفاقية للولايات المتحدة الأمريكية (الحق ) في أستخدام الأجواء والأراضي العراقية في أوقات السلم والحرب ، ولسلامة أمريكا وقوات التحالف تلزم الحكومة العراقية تقديم خرائط لمواقع الألغام والأخطار الواقعة في طريق حركاتها .
– هنا الكارثة حين تعطي الأتفاقية الحق لأمريكا أجتياح العراق بحجة مكافحة الأرهاب ، حيث تبقى أبواب العراق مفتوحة في الزمن والتأريخ للمحتل ، والذي يحيّر العقل البشري القمبلة الموقوتة في وسط الأتفاقية ( —- يمكن تنفيذ هذهِ الفقرات الأحترازية لتوطيد الأمن في البلاد دون تجاوز لسيادة العراق ومصالحهِ الوطنية ( شيءٌ مضحك حقاً ) حين نرى أمريكا وقوات التحالف تنقل قيادات داعش من تلعفر والحويجة جواً إلى مكان آمن !!؟ أو تلقي لهم الذخيرة جواً وتتذرع بالخطأ العسكري. ،
– وما خفي في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة ( للطرفين الحق في الدفاع الشرعي عن النفس ) وما معناهُ : ستبقى قوات الأحتلال تهدد دماء العراقيين متى وكيفما تشاء ، وفيما يخص فقرة وضع وخزن المعدات الدفاعية للجيش الأمريكي في العراق ما هي ألا ألغام خطيرة في الأتفاقية حيث يكون من حق المحتل أستعمال هذه المعدات المذكورة بالدفاعية ضد من تريد في الداخل والخارج .
– وفي الفقرة 15 تسمح لأمريكا وحلفائها بتصديروأستيراد ما تشاء بحجة أمتعة خاصة لا تخضع للتفتيش ، وهذا يفتح الباب لبيع ما تبقى من العراق جملة وتفصيلاً ، وأستيراد ما يضرُ العراق من سموم المخدرات والأباحيات لأفساد المجتمع وسهولة قيادتهِ ، وفي الفقرة 16 لا تفرض ضرائب ولا رسوم على السلع المستوردة لصالح المحتل الأمريكي وعلى السلع والخدمات التي يتم شراؤها من الداخل العراقي ، وأن ما شاهدتهُ من عجب من الظلم والتنكيل بالشعب العراقي حين تكون الحكومة على دراية من الضمانات المقدمة على طبقٍ من الذهب للمحتل بالرغم من قيام المحتل الأمريكي من أراقة دماء وهتك الأعراض والتهجير وتدمير البنى التحتية والفوقية وعدم دفع المحتل أية تعويضات للعراقيين .
– وهناك خرقاً وعيباً واضحاً في الديباجة حيث تنص : ( أتفق الطرفان ) بالحقيقة ومن الناحية القانونية وواقع الحال فأن الأتفاقية من طرف واحد الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية ، وحسب السياق اللغوي تكون العبارة بين ( الرئيس ومرؤوسه ) أو بين ( المحتل وعميله ) أو بين ( السيد ومأجوره العبد )لأن الوجود الأمريكي ما هو ألآ أحتلال وعدوان ، والحكومة ما هي ألا حكومة تابعة ومصطنعة لذلك من الوجهة القانونية تكون الأتفاقية باطلة وفاقدة لشرعيتها ، وأن الأتفاقية المذكورة رُفضتْ من قبل الشعب وحراكه الشعبي الديمقراطي .
– بموجب هذا الأتفاق يصرح العراق لقوات الولايات لمتحدة الأمريكية والمتعاقدين مع الولايات المتحدة والموظفين والعاملين لدى هؤلاء المتعاقدين والأشخاص والكيانات الأخرى لها الحق للوصول إلى هذه المساحات المتفق عليها مع الطرف الأمريكي وأستخدامها ، ويشمل حق الشروع في بناء منشآت جديدة أو أقامة أعمال أنشائية جديدة ،أي أن العراق حسب هذا الأتفاق تعطي المساحات والمنشآت القائمة عليها بدون بدل أيجار، وتتحمل الحكومة العراقية نسبة من تكاليف بناء تلك المنشآت فيما أذا شاركت في أستخدامها .
وأخيراً / سواءاً كانت الأتفاقية الأمنية الجائرة أو التدخلات الأمريكية الوقحة في شؤون دولة مستقلة معترف بها في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ، لكن للأسف أن العراق بات خاضعاً وبشكلٍ مباشر للأنتداب الأمريكي بحيث باتتْ تتسع وتستقوي بمساعدة عملائها من سياسيي السلطة ، وتقسيم العراق مطروحٌ اليوم يسير موازياً لحبر كتابة الأتفاقية الأمنية بعرابها بايدن الأمريكي وسياسيي السلطة المتآمرين والمتأمركين ، وأن أمريكا تعود لأحتلال العراق من أبواب الحرب على داعش بنية خبيثة مبيتة ولو بأوجه مختلفة كميليشيات الرايات البيض والسود ووو !؟ ,، وهي فرض وصاية على العراق فعدد القوات الأمريكية تتصاعد ليصبح أكثر من 9 آلاف وهذا المعلن أما المخفي أعظم هو ما يناقض ما جاء في الوثيقة ، وكان من المفروض الوطني رفضها رسمياً من قبل الحكومة العراقية ، وأجهاضها شعبياً وعدم الرضوخ لها ، أليس هو نفس الشعب الذي أسقط معاهدة بورتسموث من على الجسر في 1952 !!! مالذي جرى ؟؟؟ حتى يتحول الثائر إلى (حاجٍ) لواشنطن ويتضرع إلى(هبل) أمريكا ليحتل وطنهُ ، أليس هذا أعجب العجائب !!؟؟؟ ، ويا سادة ويا كرام أن حسابات واشنطن لا علاقة لها بالحقل والبيدر !؟ بل أنها تسعى ميكافيلياً إلى المحصلة النهائية.