“الملء الرّابع” يُلهب أزمة سدّ النهضة مجدداً… ماذا وراء تلويح مصر بـ”كلّ الخيارات”؟

1

شلالات النيل الأزرق حيث بني سد النهضة.

عادت قضية سد النهضة لتبرز من جديد مع اقتراب موعد الملء الرابع لخزان السد، وتأكيد إثيوبيا عزمها المضي في اتخاذ قرار أحادي بشأن الملء، للمرة الرابعة على التوالي. وتبدأ عملية حجز المياه خلف السد الذي تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، مع موسم الفيضان، الذي يأتي في شهر تموز (يوليو) من كل عام.

السد الذي بدأت دولة المنبع (إثيوبيا) في بنائه عام 2011، مع دخول مصر في غمرة توترات أمنية وسياسية إبان ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، أثار أزمة محتدمة بسبب الأضرار المتعددة التي تتوقع دولتا المصب (مصر والسودان) أن يسببها لهما، ومن تلك الأضرار التأثير على حصتيهما المائية من مياه نهر النيل.

وقد خاضت القاهرة مفاوضات مضنية مع أديس أبابا، على مدار أكثر من 10 سنوات، للوصول لاتفاق قانوني ثلاثي ملزم بشأن إدارة وتشغيل السد، دون أن تؤتي تلك الجهود ثمارها. وقد توقفت المفاوضات قبل نحو عام بسبب “التعنت الإثيوبي”، حسبما يؤكد سياسيون ومحللون من مصر والسودان.

الأزمة تتصاعد مجدداً

قبل نحو أسبوع، أصدرت الجامعة العربية قراراً يتضمن دعوة الجانب الإثيوبي إلى التفاعل الإيجابي، ووضعت الجامعة ملف سد النهضة كبند دائم على جدول مجلس أعمالها، ما يشير إلى الالتزام بتوفير غطاء عربي، تدعمه 22 دولة، لحماية حقوق نحو 140 مليون مواطن سوداني ومصري في مياه النيل.

هذا الإعلان أثار غضب الجانب الإثيوبي، وأصدرت على إثره الخارجية الإثيوبية بياناً أعربت فيه عن استياء بلدها من القرار العربي، مؤكدة عزمها على المضي في ملء خزان السد. وقالت الخارجية الإثيوبية في بيانها: “يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل، بما في ذلك ملء وتشغيل السد، للأطراف المعنية في أفريقيا”.

الإصرار الإثيوبي على الاستمرار في اتخاذ قرارات أحادية بشأن مياه النهر التي تعد المصدر الرئيسي للمائية لنحو 104 ملايين مصري، استدعى رداً من القاهرة.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدركسن، يوم الاثنين: “نتفهم التنمية في إثيوبيا، ومستعدون للتعاون أيضاً، ولكن هذا يجب ألا يؤثر على المواطن المصري بأي شكل من الأشكال. مصر الدولة الأكثر جفافاً في العالم، ليس لديها فرصة لتتحمل أي نقص في المياه”.

تقع مصر تحت وطأة مناخ جاف، وتشكل الأراضي الصحراوية قرابة 96 في المئة من أراضيها، وتعاني الدولة فقراً مائياً مدقعاً، فحسب تصريحات سابقة لوزير الري المصري هاني سويلم، فإن نصيب المواطن المصري هو 560 متراً مكعباً فقط، وهو تقريباً نصف الكمية التي تعتبر خط الفقر المائي عالمياً، حيث تعد البلدان التي يبلغ نصيب الفرد فيها أقل من 1000 متر مكعب من المياه سنوياً، فقيرة مائياً.

تشكل الأراضي ذات الطبيعة الصحراوية قرابة 96 في المئة من مساحة مصر

هذا الوضع شديد الحساسية، جعل مسؤولين مصريين يصفون أزمة سد النهضة بأنها “مسألة حياة أو موت”، وثمة تأكيدات رسمية أن “كل الخيارات متاحة” إذا تضررت المصالح المائية للمصريين، ويفسر خبراء عسكريون ومحللون سياسيون أن تلك الخيارات تتضمن الحل العسكري إذا لزم الأمر.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات إعلامية، يوم الاثنين الماضي: “كل الخيارات مفتوحة، وتظل كل البدائل متاحة، ومصر لها قدراتها وعلاقاتها الخارجية ولها إمكاناتها”، وهي التصريحات التي اثارت استياء إثيوبيا.

إجراء لا بد منه

من جانبه، يفسر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية السفير إبراهيم الشويمي، التصريحات المصرية، على أنها “إجراء لا بد منه”، ويتوقع أنه إذا تضررت مصر من الملء الرابع، فلا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة.

ويقول الدبلوماسي المصري لـ”النهار العربي”: “ثمة ملء رابع (مرتقب)، بتصرف أحادي (من أديس أبابا)، لذا كان من الضروري التعليق عليه من القاهرة”.

يعد نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة إلى مصر

ويؤكد الشويمي أن “الموقف المصري لا يزال ثابتاً، يرفض التصرفات الأحادية (في مسألة سد النهضة)، ويدعو إلى التفاوض، واتخاذ مواقف مناسبة للأوضاع المصرية. ومن ناحية أخرى، تعمل مصر على توضيح القضية للمجتمع الدولي، وتكشف عن أن إثيوبيا تتصرف بطريقة أحادية”.

ووفقاً لخبراء في مجال المياه والري، فإن الملء الأول، والثاني، والثالث، لم تلحق بمصر أضراراً مائية، لكن لا أحد يعلم، قطعاً، ما قد يحدث في المرحلة المقبلة من تعبئة خزان السد، في موسم الفيضان التالي.

وعن هذا يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: “حتى الملء الثالث، من حسن الحظ كانت الأمطار غزيرة في موسم الفيضان، ولاعتبارات فنية، اضطر الإثيوبيون لفتح السد لتصريف المياه، ومن ثم لم تتضرر مصر، لكن إذا وقع ضرر على المصريين في الملء الرابع، فلا بد من اتخاذ إجراءات مناسبة”.

الدور الأميركي

في غضون هذه التطورات، قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة لأديس أبابا، استمرت لمدة يومين، التقى خلالها عدداً من المسؤولين الإثيوبيين الرفيعي المستوى، وناقش عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية المشتركة بين الجانبين، ثم اختتم زيارته وغادر إثيوبيا، الخميس، وفقاً لوكالة “فانا” الإثيوبية.

ويقول الكاتب والصحافي المقيم في الولايات المتحدة محمد ماهر لـ”النهار العربي”: “ملف سد النهضة كان على أجندة بلينكن خلال زيارته لإثيوبيا، لكنني أتصور أنه لم يكن ضمن صدارة أولوياته، فثمة ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لواشنطن، ومنها المفاوضات بين الحكومة الإثيوبية والتيغراي، والسلام مع المتمردين، ودور أديس أبابا في القرن الأفريقي”.

بلينكن يغادر أديس أبابا بعد زيارة استمرت يومين اختتمها الخميس

ويشير ماهر إلى أن “الدور الأميركي بخصوص أزمة سد النهضة موجود، ولدى واشنطن اهتمام واضح، لكنها تدعم حل الأزمة من خلال التفاوض في إطار الاتحاد الأفريقي. واشنطن تدعم أي اتفاق سلمي يقلل التوترات بالمنطقة، ولكنها لن تلعب دور الوسيط المباشر، مثلما حدث في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب”.

وفي هذا السياق، يشير الكاتب الصحافي المصري إلى أن “الإدارة الأميركية الحالية، فصلت بين المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة، والتقدم في ملف سد النهضة، وقد اعتمدت قرابة 300 مليون دولار كمساعدات إنسانية لإثيوبيا”.

تصعيد الأزمة

يرى الكاتب والصحافي الإريتري المتخصص في شؤون القرن الأفريقي محمود أبو بكر أن التفاعلات الجديدة التي شهدتها أزمة سد النهضة، أخيراً، ليس سببها الخوف من تأثر مصر والسودان من عملية الملء الرابع، ولكن الموضوع أكثر عمقاً من ذلك.

 ويقول أبو بكر لـ”النهار العربي”: “الجدل الذي تجدد أخيراً، لم ينشأ عن متغير جديد، فمواعيد الملء معروفة مسبقاً، وكان هناك مساع مصرية وسودانية للوصول لاتفاقات ملزمة، وهذا لم يتحقق حتى الآن”.

وأضاف الصحافي الأريتري: “لم تتأثر حصتا مصر والسودان من الملء خلال السنوات الماضية، ووفقاً لخبراء، فإن الملء الرابع، على الأرجح، لن يؤثر أيضاً، لكن القاهرة والخرطوم تريدان توقيع اتفاق قانوني ملزم يضمن للدول المعنية كل المعلومات اللازمة بخصوص ملء السد وتشغيله، ليس فقط كي لا يتعرض البلدان لنقص في حصصهما المائية، ولكن لتجنب كوارث قد تحدث بسبب سلامة بناء سد النهضة، أو نتيجة وقوع كوارث بيئية أو طبيعية”.

ويعتقد أبو بكر أن “القرار الذي اتخذته الجامعة العربية، يشير إلى أن ثمة اتفاقاً عربياً لتأكيد الرؤية التي تتبناها مصر والسودان بشأن سد النهضة. هذا القرار ينقل الأزمة من المستوى الثلاثي الذي يشمل دولة المنبع ودولتي المصب، إلى قضية دولية تدعمها 22 دولة عربية”.

هذا القرار، في رأي الصحافي الإريتري “استثار إثيوبيا، ودفعها إلى إصدار بيان ينتقد قرار الجامعة العربية، وقد مضى البيان إلى القول بأن هذا الأمر أفريقي، ويجب حله في الإطار الأفريقي”.

ويضيف الكاتب الإريتري: “هذا الزعم الإثيوبي يتجاهل أن مصر والسودان، بجانب أنهما دولتان أفريقيتان، فهما أيضاً عربيتان، كما يغض الطرف عن أن الاتحاد الأفريقي أخفق على مدار عام كامل في حل الأزمة، وقد اعترف بهذا الرئيس السنغالي ماكي سال إبان رئاسة بلده للاتحاد الأفريقي”.

التعليقات معطلة.