لم تغيّر المناظرات الجمهوريّة السابقة، بما فيها الرابعة التي جرت ليل الأربعاء، الكثير من الاتّجاه السائد: سيكون الرئيس السابق دونالد ترامب مرشّح الحزب الجمهوريّ لانتخابات 2024؛ هذا هو الاحتمال الراجح إلى حدّ بعيد. السباق الجمهوريّ الفعليّ الآن ينصبّ عموماً على المركز الثاني.
تمكّنت السفيرة الأميركيّة السابقة إلى الأمم المتّحدة نيكي هايلي من اكتساب بعض الزخم خلال المناظرات بفعل أدائها المتفوّق نسبياً. توضّح الزخم الذي كسبته هايلي في الولايات التي تشهد تصويتاً مبكراً، الأمر الذي جعل كبار المانحين الخائفين من عودة ترامب يدعمون هايلي لا ديسانتيس. لهذا السبب، بادر ديسانتيس إلى مهاجمة هايلي منذ بداية المناظرة الأخيرة، وهكذا فعل رجل الأعمال فيفيك راماسوامي.
يريد ديسانتيس إقناع الناخبين والمانحين بأنّه الرجل الثاني في السباق، بينما تحمل اعتبارات راماسوامي الهجوميّة طابعاً شخصياً بشكل جزئيّ. فهو على ما يبدو لم يستطع مسامحتها على بعض الانتقادات العنيفة التي وجّهتها إليه في السابق كما حدث خلال المناظرة الثانية: “كلّما أصغيتُ إليك، شعرتُ بأنّني أغبى” (رداً على دفاعه عن فكرة الانضمام إلى تطبيق ‘تيك توك‘ الذي تحذّر منه هايلي باعتباره تطبيقاً صينياً). كما أنّ راماسوامي قد يهدف أيضاً إلى حجز موقع في إدارة مستقبليّة لترامب. في الواقع، غادر أحد المسؤولين حملته منذ فترة قصيرة وانضمّ إلى حملة الرئيس السابق.
“توقَّفْ عن إهانتها”
إحدى النقاط البارزة التي استرعت اهتمام بعض المعلّقين تمثّلت في دفاع حاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي عن هايلي حين انتقدها راماسوامي. رجل الأعمال الذي يمثّل “النَّفَس الانعزاليّ” الجديد في الحزب الجمهوريّ، اقترح على السفيرة السابقة، بما أنّها قالت إنّ هجوم “حماس” على إسرائيل هو هجوم على أميركا، أن يساعدها ابنه البالغ من العمر ثلاثة أعوام على التمييز بين موقعي الولايات المتحدة وإسرائيل على الخريطة. وقال للمشاهدين إنّ هايلي سترسل الأميركيّين للدفاع عن أوكرانيا بالرغم من أنّها لا تستطيع تسمية المقاطعات الثلاث في شرق أوكرانيا التي تريد هايلي إرسال قوّات أميركيّة إليها بحسب زعمه. (لم تتحدّث هايلي قط عن إرسال أميركيّين إلى أوكرانيا).
في لقطة غير متوقّعة ربّما، انتقد كريستي راماسوامي بسبب إهانته “الذكاء الأساسيّ” لهايلي عوضاً عن “مواقفها”. وأضاف: “اِسمع، إذا كنتَ تريد عدم الاتّفاق على قضايا فلا بأس. نيكي وأنا نختلف حول بعض القضايا. لكن سأخبرك هذا؛ لقد عرفتُ نيكي لاثني عشر عاماً وهي فترة أطول من بدئه (راماسوامي) التصويت في الانتخابات التمهيديّة الجمهوريّة (…) ما لا نختلف عليه هو أنّها امرأة ذكيّة حقّقت إنجازات يجب أن تتوقّف عن إهانتها”. (كان كريستي قد انتقد الجميع بمن فيهم هايلي لأنّهم تعهّدوا بالتصويت لترامب في حال فوزه بالانتخابات التمهيديّة حتى ولو أدين بجناية فدراليّة).
المعنى الأوّل للدفاع
لم يستوقف دفاع كريستي عن هايلي مراقبين لناحية تذكيره بأصول النقاش وضرورة تصويبه نحو الأفكار لا الأشخاص. من جهة، هو تلميح محتمل إلى أنّ كريستي مستعدّ لإخلاء الطريق أمام هايلي لتوحيد الصوت المعارض لترامب. فكلّما كانت ساحة التنافس أضيق قلّل ذلك من احتمالات فوز ترامب. كان ذلك على سبيل المثال، تحليل أليسا غريفين على شبكة “سي أن أن” خلال تعليق على مجريات المناظرة.
هذا الاحتمال معقول جداً؛ لكن تبقى تفاصيل مهمّة. سئل كريستي في السابق عن سبب عدم انسحابه من السباق ما دامت أرقام الاستطلاعات لم تظهر أيّ تقدّم له خلال الأشهر الستة الماضية (2.7 في المئة). أجاب بأنّه لا يثق كثيراً باستطلاعات الرأي وأنّ الفترة لا تزال بعيدة نسبياً لحسم موقفه، علماً أنّه أشار إلى انسحابه من السباق في 2016 لمنع تشتّت الصوت المعارض لترامب في تلميح إلى أنّه قد يفعل ذلك مجدّداً في 2024. وقال أيضاً إنّه يشهد اهتماماً من الناخبين لحملته في ولاية نيو هامبشير التي يركّز عليها. يصل معدّل تأييده هناك إلى 11.6 في المئة متقدّماً حتى على ديسانتيس وراماسوامي (7.7 و6.7 على التوالي).
مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان انسحابه بعد انتخابات نيو هامبشير سيفيد هايلي بالنظر إلى ضعف أرقامه في سائر الولايات. على العكس من ذلك، إنّ الانسحاب المبكر مع تجيير أصواته في نيو هامبشير إلى هايلي يمكن أن يقرّبها كثيراً من ترامب. بمجموع أصوات يناهز وفق معدّلات استطلاعات الرأي 30 في المئة، تحسم هايلي مركزها كمتحدٍّ وحيد لترامب (44 في المئة) قبل المواجهة الأهمّ في ولاية ساوث كارولاينا التي حكمتها هايلي. حتى بعد انتهاء المناظرة، قال كريستي في حديث إعلاميّ جانبيّ إنّه سيظلّ يدافع عن هايلي على الرغم من اعتقاده بأنّها “غير جاهزة بعد” لتكون رئيسة أميركيّة. يرجّح هذا التعليق أكثر فكرة تأجيل الانسحاب إلى ما بعد نيو هامبشير. وهذا ما قد لا يفيد هايلي كثيراً. بالتالي، ليس مهماً ما إذا كان كريستي سينسحب بل متى ينسحب.
دفاعٌ بملامح مستقبليّة
تبقى نقطة أهمّ أشار إليها المحلّل سكوت جينينغز على “سي أن أن” وهي ارتسام تحالفين: الأوّل بين جمهوريّي ما قبل ترامب أي هايلي/كريستي، والثاني بين جمهوريّي ما بعد ترامب أي ديسانتيس/راماسوامي (عملياً، يمثّل الفريق الثاني استمراراً للسياسة الترامبيّة بأسماء أخرى). صورة هذا التحالف كانت حاضرة خلال حملة هايلي الانتخابيّة حين سألها أحد الناخبين عمّا إذا كانت تفكّر في تعيين كريستي نائباً لها. أشادت هايلي بكريستي لكنّها قالت أيضاً إنّه من المبكر الحديث عن الموضوع.
سيكون من المفيد مراقبة مسار هذا التحالف، خصوصاً في 2028. حينها، سيبدأ الجمهوريّون بالبحث جدّياً عن مرحلة ما بعد ترامب. ليس مؤكّداً اليوم ما إذا كان التيّار الترامبيّ الشعبويّ سيستمرّ تحت مسمّى آخر، أم ما إذا كان الجمهوريّون سيعودون إلى التيّار المحافظ الكلاسيكيّ.
في حديث إلى مجلّة “نيوزويك”، يقول الأستاذ المساعد للعلوم السياسيّة في جامعة نورث فلوريدا شون فريدر إنّ أداء هايلي القويّ خلال الأشهر العديدة الماضية يجب أن يجعلها المرشحّة الأوفر حظاً للانتخابات التمهيديّة للحزب الجمهوريّ عن سنة 2028”. لكنّ ذلك قد يكون استنتاجاً متسرّعاً.
ما كشفته المناظرة الرابعة، وما ستكشفه الانتخابات التمهيديّة، إلى جانب اسم المرشّح الجمهوريّ للانتخابات العامّة، هو أهمّية مراقبة المؤشّرات إلى مرحلة ما بعد ترامب. على سبيل المثال، إذا خسرت هايلي أمام ترامب وقرّر الأخير اختيار نائب له من خارج المؤسّسة فسيكون من المنطقيّ توقّع أن يوالي مناصرو الرئيس السابق النائب الذي يختاره لسباق 2028. في سيناريو كهذا، سيستمرّ التيّار الترامبيّ بتغيير ملامح الحزب الجمهوريّ التقليديّ… ربّما إلى الأبد.