المنافسة على العراق وشعبه: بأي يدٍ يُذبح؟ أمريكية، إيرانية، إسرائيلية… أم بسكين الصمت الدولي؟

7

 

الكاتب/ حسن فليح

العراق اليوم أشبه بجسدٍ منهكٍ مُلقى على طاولة الجراحين، كلٌّ منهم يحمل مشرطه، يدّعي أنه جاء ليعالجه، لكنه في الحقيقة ينهش فيه، يحفر عميقًا في جراحه، ويتركه ينزف دون رحمة. لا أحد يريد لهذا الجسد أن يشفى، لا أحد يريد للعراق أن ينهض، فالجميع يعرف أن عراقًا معافًى يعني قلب موازين القوى، وتهديد المشاريع التي بُنيت على أنقاضه.
متاهة العراق: وطنٌ تائه بين الأيدي المتصارعة
حين سقط النظام السابق، لم يولد عراق جديد، بل خرج من تحت الأنقاض عراق ممزّق، تحكمه الإرادات الخارجية أكثر من إرادة شعبه. تحوّل الوطن إلى رقعة شطرنج، واللاعبون الدوليون يحرّكون القطع كيفما يشاؤون، فيما العراقي الأعزل يقف حائرًا في وسط رقعة الموت، لا يعرف هل هو بيادق في هذه اللعبة أم مجرد ضحية تنتظر أن تُدهس؟
كلما اقترب العراقي من بوابة الخلاص، وجدها تُغلَق أمامه بإحكام، وكأن قدره أن يبقى أسيرًا بين سجون الطائفية، والفساد، والسلاح المنفلت، وحكوماتٍ لا ترى في الشعب سوى أرقام تُستخدم وقت الحاجة، ثم تُلقى في مزبلة الإهمال.
العقم السياسي: حين يصبح الحُكم لعنة لا خلاص منها
ما الذي يمكن أن نتوقعه من نظامٍ سياسيٍّ وُلِد من رحم الصفقات لا من رحم الشعب؟ العراق يحكمه اليوم نظام فقد أي قدرة على إنتاج الحلول، فكل ما يفعله هو تأجيل الأزمات، وشراء الوقت، وانتظار أن يقرر الخارج ماذا سيفعل به. الطبقة السياسية في العراق ليست قادرة حتى على أن تكون دُمية ناجحة، فهي تخشى اتخاذ أي موقف دون أن تحصل على إذنٍ خارجي، وتخاف أن تتحرك دون أن تتلقى إشارات الضوء الأخضر من واشنطن أو طهران أو غيرهما.
في ظل هذا العقم، أصبح الشعب العراقي يشعر وكأنه عالق في حلقة مُفرغة، حيث تُعاد نفس الوجوه، وتُعاد نفس الأخطاء، وتُعاد نفس الأكاذيب. لكن الفرق الوحيد أن الجراح تزداد عمقًا، والأمل يتآكل شيئًا فشيئًا، حتى بات الحديث عن التغيير يُقابل إما بالسخرية، أو بالخوف، أو باليأس.
الإرادات الدولية: حين يصبح العراق مائدة يُتقاسم لحمها
بين اليد الأمريكية التي تتلاعب بمصيره من بعيد، واليد الإيرانية التي تمسك بخناقه من الداخل، واليد الإسرائيلية التي تضرب حيث تشاء، يبقى العراق ساحةً مستباحةً لكل من أراد أن يُثبت قوته أو يحقق مصالحه.
أمريكا لم تعد ترى العراق سوى ورقة تفاوضية، تُستخدم عند الحاجة، وتُهمل حين تنتهي صلاحيتها.
إيران حولته إلى عمقٍ استراتيجي لمشروعها الإقليمي، تتعامل معه كحديقة خلفية، تحكمها الميليشيات والسلاح والولاءات العمياء.
إسرائيل تراقب وتضرب، تحصي مكاسبها من الصراعات التي تستنزف العراق، وتنتظر لحظة الانقضاض على ما تبقى منه.
وبين هذه القوى، يقف العالم صامتًا، يتفرج على العراق وكأنه فيلم وثائقي لحياة الشعوب المقهورة، لا أحد يتدخل لإنقاذه، لا أحد يريد أن يراه يتعافى، لأنه في نظرهم، عراق قوي يعني معادلة إقليمية جديدة قد تُفسد مشاريعهم.
العراق إلى أين؟ حين تصبح الأسئلة بلا إجابات
هذا السؤال بات يُطارد كل عراقي، لكنه يُقابل بالصمت. العراق اليوم لا يسير نحو مستقبل واضح، بل يسير داخل نفقٍ طويل، يضيع فيه الضوء كلما ظنّ الشعب أنه اقترب منه. المصير مجهول، المستقبل غامض، والحاضر لا يُبشّر إلا بمزيدٍ من الضياع.
هل يمكن للعراق أن يستعيد قراره؟ هل يمكن لشعبه أن يكسر هذه القيود؟ هل هناك نهاية لهذا الكابوس؟
ربما، لكن قبل ذلك، يجب أن يقرر العراقيون أن ينهضوا رغم أنف الجميع. أن يرفضوا أن يكونوا وقودًا في هذه المعركة القذرة. أن يدركوا أن اليد التي ستنقذ العراق، ليست أمريكية، ولا إيرانية، ولا إسرائيلية… بل عراقية فقط . فمتى يحدث ذلك ؟

التعليقات معطلة.