المنصات الفكرية وقواعد الحرب الخفية

1

 
سهيلة غلوم حسين
 
إن استخدام التوجيه الفكري في الصراعات أثبت فاعليته في التحريض والاندفاع وإرساء قواعد أو منصات الانطلاق لسلاح إبادة حضارة أجيال بكاملها, وخطورة ذلك تكمن في اتساع رقعة تفتيت المجتمعات وخلق هوّة سحيقة يصعب ردمها في سنوات قليلة.
تعد الحروب بمختلف أشكالها ومبررات صنوفها من أسوأ الكوارث التي تصنعها البشرية وترسم مخططاتها، وتضع عناوين أهدافها من غير الوقوف على عتبات ما تسببه من أضرار وخسائر مادية وإنسانية، بالإضافة إلى تأثيراتها الاجتماعية والنفسية كما أنها تأخذ أشكالا مختلفة وأنواعا متعددة، فتكون تارة حربا عسكرية، وطورا اقتصادية وفكرية وثقافية، وإعلامية ونفسية إلى غير ذلك، علما أنه من أشد هذه الحروب خطرا وأعظمها نتيجة وتأثيرا على الإطلاق هي الحروب الفكرية.
إن استخدام التوجيه الفكري في الصراعات أثبت فاعليته في التحريض والاندفاع وإرساء قواعد أو منصات الانطلاق لسلاح إبادة حضارة أجيال بكاملها, وخطورة ذلك تكمن في اتساع رقعة تفتيت المجتمعات وخلق هوّة سحيقة يصعب ردمها في سنوات قليلة.
فالحروب العسكرية هي معلنة ومع ما تكلفه من خسائر بشرية ومادية وغيرها, إلا أن نتائجها محدودة، والسّلاح فيها يستخدم للقتل في فترة الحرب ويتوقف مع هدوء ميادين القتال، أما الحروب الفكرية فهي خفية والسلاح فيها سري يغزو الفكر ويتغلغل في السلوكيات، ويتسبب في زيادة الصراع بين المجتمعات وداخل المجتمع نفسه، ورغم تكلفتها القليلة إلا أن نتائجها كبيرة، والهزيمة فيها أو سقوط لا يعقبه قيام أو محاولة الالتفاف على المبادئ لتغيير نمطية الأفكار وهذا يعود إلى الخصوصية التوجيهية ومدى القدرة على إقناع الآخرين بالأفكار السلمية.
إن الأمة المغزوة لا تعي ولا تستعد لصد الغزو الفكري ولا تقف في وجهه لتقع فريسة له، فيؤثر على الفرد العادي بالإعلام، ووسائل الأنباء وشبكات التواصل الاجتماعي، ويدخل فكرة معينة إلى عقله ليوجهه من قبل جهة معينة بالتكرار المستمر الذي يوحي بحقيقة ما يقولون وتجعله يصدق ويقتنع، مثل عملية التنويم المغناطيسي التي تعتمد على تكرار التركيز على شيء معين حتى تفقده التركيز تماما، وقد بدأ يأخذ التسويق لهذه الحرب طريقه على مستوى الكتاب أيضا، ويقوم على محاور رئيسية أهمها عنصر التضليل على المستوى السياسي، أو في الإنتاج الفكري والإعلامي، وعنصر الجهل وعنصر العنف الفكري.
يقال إن أجيال الحروب أربعة, الجيل الأول كان القتال فيه بالسلاح الأبيض (الفرسان) والجيل الثاني كان القتال فيه بالأسلحة النارية, والجيل الثالث كان السلاح النووي والبيولوجي بدون مواجهة, أما الجيل الرابع القتال فيه بالصراعات الفكرية والدينية وتأجيجها وترك العدو يحارب نفسه بنفسه.
لقد أصبح التركيز على هذا النوع من الحرب، وبات من الضرورة الوعي بخطورته، ومعرفة طرق وأساليب العدو في إدارتها وأساليبها والوسائل التي تستخدم في شن هجماتها, وتجهيز العدة لمواجهتها وعدم تسليم الفكر للإعلام أو للأخبار وما يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وإعمال العقل بطريقة حربية أو مخططة وليست عشوائية. وعلى الجميع أن يعي خطورة هذه الحرب الخفية الماكرة، وأخذ الحذر، وإعداد العدة اللازمة للوقاية من مثل هذا الأسلوب الماكر. فكلما كانت الحرب الفكرية قوية ساد مستوى الجهل عند أحد الطرفين.

التعليقات معطلة.