المنطقة: ماذا وإلى أين؟

1

الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة وغير مسبوقة من التغيرات والتحولات، مما يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبله في ظل التداعيات الناتجة عن الحرب الحالية على الفصائل المسلحة الموالية لإيران. الصراعات الإقليمية، التحالفات الجديدة، وإعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية كلها تتشابك في خضم تغيرات دولية تُلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة. السؤال الأساسي: ماذا يحدث في المنطقة؟ وإلى أين تتجه الأمور؟

ما يحدث في المنطقة؟

تشهد المنطقة اليوم صراعًا متزايدًا على النفوذ، حيث تلعب إيران دورًا محوريًا في جر دول المنطقة إلى منزلق خطير. اعتمدت إيران لسنوات على الفصائل المسلحة والطائفية لتعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الإقليمية، إلا أن الظروف بدأت تتغير. أصبح المشروع الإيراني محاصرًا بفعل التغيرات في المواقف الإقليمية والدولية، حيث تراجعت القدرة على استخدام هذه الفصائل كأدوات لتحقيق أجنداتها.

اليوم، تواجه الفصائل الموالية لإيران ضغوطًا متزايدة في ضوء تصاعد الحرب ضدها، سواء من خلال ضربات عسكرية مباشرة أو من خلال تقليص الدعم المالي واللوجستي لها. في ظل هذا الوضع، باتت إيران تجد نفسها في موقف دفاعي، تحاول فيه حماية نفوذها المتآكل وسط تغيرات إقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات.

من ناحية أخرى، نشهد تحركات لتعزيز التحالفات بين دول المنطقة وإسرائيل في إطار “الاتفاقيات الإبراهيمية”، مما يشير إلى تحول كبير في أولويات العديد من الدول. أصبح الاستقرار الأمني والاقتصادي هو الهدف الأسمى، وتحقيق هذا الاستقرار يتطلب بناء تحالفات قادرة على مواجهة التحديات المشتركة، ومنها النفوذ الإيراني الذي أصبح يُنظر إليه كعامل تهديد لاستقرار المنطقة.

إلى أين تتجه المنطقة؟

يحمل المستقبل سيناريوهات متعددة، تعتمد على قدرة القوى الإقليمية على اتخاذ القرارات الحاسمة. إذا استمرت إيران في محاولاتها لزعزعة استقرار المنطقة عبر دعم الفصائل المسلحة، فإن التصعيد سيكون هو السيناريو الأكثر ترجيحًا.

إن إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية تعتمد بشكل كبير على قدرة الدول على تجاوز المصالح الضيقة والعمل بشكل جماعي. هناك مؤشرات على تشكيل تحالفات جديدة تسعى للحد من النفوذ الإيراني ودعم مسار التنمية والاستقرار،
المعادلة الجديدة تبدو جادة إلى حد كبير، خاصة في ضوء التحركات الإسرائيلية والبريطانية والإقليمية التي تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني وإعادة التوازن في المنطقة. ومع ذلك، يبقى الغموض الأميركي في ضل ادارة الديمقراطيين لها عائقًا رئيسيًا، حيث يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بالمعادلة التي أُرست دعائمها في عام 1979 والتي تسعى إلى إبقاء إيران جزءًا من الهيكل الإقليمي. هذا الغموض قد يعكس ترددًا في اتخاذ خطوات حاسمة نحو تغيير المعادلة بشكل كامل، ربما لتجنب تصعيد غير محسوب أو لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

لكن التصعيد الأخير، خاصة من قبل إسرائيل، يشير إلى أن هناك رغبة في تغيير المعادلة بشكل مستقل عن الموقف الأميركي، مما قد يدفع الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى التكيف مع الواقع الجديد إذا حققت التحركات الحالية أهدافها.

الدور الدولي في المعادلة الجديدة

الدور الدولي سيكون حاسمًا في تحديد وجهة المنطقة. القوى الكبرى، سواء كانت الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، تسعى إلى تعزيز نفوذها وخدمة مصالحها في هذه المرحلة الانتقالية. لكن على دول المنطقة أن تدرك أن الاعتماد المفرط على هذه القوى لتحقيق الاستقرار قد لا يخدم مصالحها على المدى الطويل. بل يتعين عليها العمل على بناء قوة ذاتية تعتمد على التعاون الإقليمي والمصالح المشتركة التي تتناسب مع ظروفها وأولويات شعوبها.

فرصة تاريخية للشعوب

الشرق الأوسط يقف الآن أمام مفترق طرق حقيقي: إما الاستمرار في دائرة الصراعات والتوترات، أو اتخاذ خطوات جادة نحو بناء مستقبل أفضل. الشعوب هي التي ستتحمل الثمن الأكبر في كل الأحوال، لذا يجب أن تكون مصلحتها هي الأساس لكل قرار يُتخذ في المستقبل.

اللحظة الحالية تتيح للشعوب فرصة للتحرك والمطالبة بالتغيير في ظل التحولات الجارية. مع تراجع النفوذ الإيراني وضعف الفصائل الموالية له، يفتح هذا الوضع نافذة من الفرص لتغيير المعادلة السياسية في المنطقة. لكن هذا التحرك يحتاج إلى رؤية واضحة وتنظيم فعّال. التحركات الشعبية التي لا تعتمد على استراتيجية مدروسة تواجه خطر أن تُختطف من قبل قوى أخرى أو تنحرف عن أهدافها.

لذلك، يجب على الشعوب أن تتوحد حول أهداف مشتركة وأن تعتمد وسائل سلمية ومدروسة لتحقيق التغيير، مع الحفاظ على السعي للحوار والبحث عن الحلفاء داخل وخارج بلدانها. اليوم، وفي ظل الأزمات المتعددة التي تواجهها المنطقة، فإن التحرك الشعبي المدروس والفعّال هو الأمل الحقيقي لتحقيق التغيير الإيجابي والانتقال نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

الشرق الأوسط أمام فرصة تاريخية لتغيير مسار الأحداث والتخلص من الهيمنة الإقليمية التي أثقلت كاهله لعقود طويلة. السؤال الآن ليس فقط “ماذا يحدث الآن؟”، بل “ماذا نريد أن يحدث؟”. إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات والقدرة على اغتنام الفرص المتاحة لبناء مستقبل يعم فيه السلام والازدهار لجميع شعوب المنطقة.

التعليقات معطلة.