حسن فليح / محلل سياسي
الجزء الاول
الثابت من خلال الواقع السياسي والعسكري للاحداث التي عشناها خلال الخمسة والاربعون عاما الماضية وما تخللتها من احداث وحروب ومتغيرات بالمعادلات والتوازنات الاقليمية والدولية وخاصةً فيما يخص منطقتنا العربية والعراق على وجه الخصوص نجد ان لاعبا اقليميا بدأ يظهر للساحة وبشكل متنامي ويحقق له نفوذا مقلقا للجميع وامام مرأى ومسمع المجتمع الدولي دون عناء ودون رادع حقيقي اقلها يجعله ان يقف عند حدود معينة ، امر طبيعي لم يكن بالامكان تحقيق كل ذلك لولا سكوت ومهادنة الولايات المتحدة وحلفائها الاوربيين ازاء ايران ونظامها الحالي ، يبدو ان المهمة الامريكية الصهيونية ضد العرب أنيطت بالنظام الايراني المتمثل بنظام ولاية الفقيه ، بعد ازالة الشاه من عرشه في عام 1979 ، حيث ان الظروف الدولية والاقليمية حين ذاك حتمت مجيئ نظام الخميني بالوقت الذي لم يعد نظام الشاه حليفا مضمونا يمكن الوثوق به من قبل امريكا ، خاصةً بعد أبرام صفقة السلاح مقابل الغاز الايراني مع السوفيت الامر الذي شكل خرقا للعلاقة والحلف مع الامريكان بالوقت الذي كان الجيش السوفيتي يحتل افغانستان المتاخمة لايران وحينها أقامت موسكو نظاما شيوعيا بقيادة بابراك كارمال في العاصمة كابل ، حصل ذلك بالتزامن مع المد الشيوعي المتنامي داخل طهران الذي كان يقود المعارضة ضد نظام الشاه مع بقية الاحزاب والشخصيات الوطنية والقومية والمثقفين من المجتمع الايراني ولم تكن الحركة الدينية هي الوحيدة التي تقارع النظام الامبراطوري في طهران ، ولم تكن كذلك هي ابرز الحركات المناهضة ولكن الاعلام الغربي سلط الاضواء على الحركة الدينية التي يتزعمها رجل الدين الخميني اكثر من سواها من الحركات لدواعي سياسية ، فرضتها ظروف الصراع الدولي والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في حينها ، التي حتمت اسقاط نظام الشاه ليجد الخميني طريقة الى السلطة كأحد الخيارات البديلة بعد استهلاك نظام الشاه دوليا وداخليا واصبح يهدد المصالح الامريكية في منطقة الخليج بدلا من ان يكون ضامنا وحارسا لها ،
ان حركة رجل الدين الخميني كان الخيار الامثل عن بقية الحركات السياسية داخل ايران واكثرها مناوئة ضد الشيوعية والسوفيت ، ولكنها ليست الاقوى من بقية الحركات بدليل ان الخميني عندما جاء الى طهران تحت الحماية الفرنسية وبالتنسيق المسبق مع الامريكان لم يستطيع تشكيل الحكومة من الحركة الدينية بمفردها واضطر الى اشراك اشخاص وطنيين لهم صداهم بالمجتمع الايراني وكلف السيد ابو الحسن بني صدر ان يكون رئيس الجمهورية الاسلامية بعد الاطاحة بالشاه وهو رجل لبرالي كما كلف السيد كريم سنجابي ليشغل منصب وزير خارجية أيران وهما من خارج المؤسسة الدينية وكانا زعيمان معارضان معروفان لنظام الشاه حين ذاك ويحضيان بأحترام الاوساط السياسية والشعبية في ايران ،
تخلىٰ الامريكان عن حماية نظام الشاه امام ثورة الشعب الايراني وتم جلب رجل الدين الخميني بطائرة خاصة وتحت حماية المقاتلات الفرنيسة من باريس الى مطار طهران ليتزعم انتفاضة الايرانيين وعند سماع قائد القوة الجوية الايراني من محطات الرادو خبر توجه الخميني الى طهران ذهب مسرعا الى شاه ايران لاخذ الموافقه منه بالتصدي للطائرة التي تقل الخميني واسقاطها ، ولكن الشاه رفض ذلك وحينها قال شاه ايران لقائد القوة الجوية لاتفعل ذلك ، “لقد ابلغتني المخابرات الامريكية انها تخلت عني” ، وعليك ان تهئ لي طائرة للرحيل !!! كان لجلب الخميني ليتزعم الانتفاضة الاثر البالغ في تغيير بوصلة الثورة وحرفها عن تطلعات عموم الايرانيين ، وكان الخميني بديلا مدعوما دوليا بخلاف بقية القوى المعارضة التي لم تكن مرحباً بها من قبل الولايات المتحدة وعموم الغرب، ويبدو ان الخميني اكثر ضمانة بمستقبل ايران وتوجهاتها البعيدة عن السوفيت واهدافهم بالمنطقة من تلك القوى المعارضة لنظام الشاه ، علما ان ذلك كان ضمن مخطط مدروس بعناية فائقة ، للاسباب التالية ، خشية الامريكان في حينها من تقرب السوفيت اكثر من المياه الدافئة المتخمة بالنفط والغاز ، والقلق من نشاط الحركة الشيوعية المتنامي داخل ايران ، والخشية من التقارب المزعج بين شاه ايران وموسكو، وكذلك القلقل الشديد من استلام المعارضة الوطنية الايرانية نظام الحكم في طهران بعد اسقاط الشاه ، الامر الذي يعني خروج ايران عن سيطرة الولايات المتحدة ، كل تلك الاسباب كانت مثيرة للقلق ومهددة للمصالح الامريكية والغرب عموما ، ومن اجل الخلاص من جميع الهواجس والخوف كان المجيء برجل الدين الخميني المناوئ القوي والمتعصب ضد الشيوعية يشكل السبيل الوحيد امام الولايات المتحدة بالقضاء على الحلم السوفيتي بالتمدد اكثر ، وكذلك القضاء على الحركة الوطنية داخل ايران والسماح له بالتفرد بالحكم ومواجهة الشيوعية بفكر وايدلوجية دينية مضادة كأفضل السبل المتيسرة حين ذاك لانهاء نظام الشاه والتخلص من خطر تلك الحركات السياسية انفة الذكر ذات التأثير الواسع في ايران ، وبحركة واحدة اطاحة بالجميع في مشهد مثير للجدل والاستغراب ،
ومن الجدير بالذكر لابد لنا من المرور على حادثة مهمة سبقت تلك الاحداث لتكتمل الصورة عند القارئ الكريم ، احتلت بريطانيا والاتحاد السوفييتي السابق إيران عام 1941 وأجبرا الشاه على الخروج من إيران ونفيه إلى جنوب أفريقيا بسبب خوف البلدين من تعاون الشاه مع ألمانيا النازية وتزويدها بالنفط خلال الحرب العالمية الثانية وتم تسليم العرش لمحمد رضا في 16 سبتمبر/أيلول 1941 ، ان تلك الحادثة شكلت هاجسا للامريكان وعموم الغرب من امكانية اعادتها من قبل السوفيت المحتل اصلا لافغانستان المجاورة لايران بحجة دعم انتفاضة الشعب الايراني ومساعدة الشيوعيين لاستلام السلطة ، الامر الذي دفع بالامريكان لتشبث بالخميني وبحركته الدينية بأعتبارها البديل الاوحد والامثل من بين كل الخيارات المطروحة في ذلك الحين ، يقودنا ذلك الى السؤال المهم من هو الخميني الذي تضحي لأجله الولايات المتحدة بأهم حليف لها بالمنطقة والحامي لمصالحها بأكثر مناطق العالم تعقيدا وتشهد صراعا دوليا حولها ؟