المواد المُسَرْطِنَة بين الخوف الزائد والتعوّد اللامبالي

2

إذا استسلم عقلك لفائض المعلومات المتضاربة والآراء غير المسؤولة التي تتدفق بلا انقطاع من “السوشيال ميديا”، بشأن المواد المُسَرْطِنَة Carcinogenic؛ فالأرجح أنك ستفقد الميزان الرزين بشأنها. أليس الأفضل أن نفكر قليلاً في مدى انطباق ذلك الوصف على تلك القائمة الطويلة من المواد، وتكوين فكرة عن الأساس العلمي الذي يستند إليه؟

إذا استسلم عقلك لفائض المعلومات المتضاربة والآراء غير المسؤولة التي تتدفق بلا انقطاع من “السوشيال ميديا”، بشأن المواد المُسَرْطِنَة

Carcinogenic؛ فالأرجح أنك ستفقد الميزان الرزين بشأنها. أليس الأفضل أن نفكر قليلاً في مدى انطباق ذلك الوصف على تلك القائمة الطويلة من المواد، وتكوين فكرة عن الأساس العلمي الذي يستند إليه؟

وفي المقابل، قد يؤدي الإفراط في تكرار المصطلح إلى التعود عليه إلى درجة اللامبالاة بمخاطر حقيقية. 

 

درس من الفيروسات

 

أحياناً، يكون الأمر واضحاً على غرار الحال مع الفيروسات المسبّبة للسرطان، لأن الحديث عنها يأتي غالباً من مصادر موثوقة. وفي ثمانينات القرن العشرين، نال البروفسور الأميركي هارولد فارمس جائزة نوبل في الطب عن اكتشافه العلاقة بين أنواع من الفيروسات ونشوء سرطانات في جسم الإنسان. إذ أثبت فارموس أن تلك الفيروسات تُحدِثْ خللاً في التركيب الجيني للإنسان، إلى حدّ إحداث طفرة نوعيّة فيه، تكون بداية أورام سرطانيّة. ومنذها، بات توفر “فلتر” علمي دقيق عن ذلك الأمر، فتثبت العلم من علاقة السرطانات بفيروسات الكبد من نوعي “سي” و”بي” (وكذلك “إبستاين- بار”)، والفيروس الحلمي في عنق الرحم، و”كابوسي” في الجلد وغيرها.

وفي المقابل، يصعب القول بوجود فلتر مماثل في فائض النقاشات غير المجدية، خصوصاً على “السوشيال ميديا”، عن المواد المُسرطِنَة. ويسود ضجيج من نوع “هذه المادة تسبّب السرطان… لا، لا إنها لا تسببه. لم يتركوا شيئاً إلّا وقالوا إنه يسبب السرطان… كُلْ واشرب ودخّن وافعل كل ما تريد… بالعكس، عليك توخي الحذر من كل شيء تسمع أنه يسبب سرطان…”!

 

لننتبه إلى هذا التعريف العلمي

 

ما الأشياء التي أثبت العلم فعليّاً أنها ترتبط بظهور الأورام الخبيثة؟

في وقت غير بعيد، أعدّ الموقع الإخباري الدولي “بيزنيس إنسايدر” قائمة ضمّت 32 “شيئاً” ثبت إسهامها بظهور الأورام الخبيثة، مع ضرورة الإشارة إلى أن بعضها ليس مواد من النوع الذي يؤكل أو يُشرب أو يُتَنَشَقْ أو يُحقن، بل هي تتعلق بأنماط من العادات والسلوك اليومي. واستطراداً، بعض تلك الأشياء معروف تماماً كالتدخين، والآخر ربما فاجأ القارئ. وتتقاطع قائمة المواد الـ32 مع 10 مواد ثبت علاقتها مع السرطانات، أوردها أخيراً موقع “ويب ميد” Webmed المرجعي في الإعلام الصحي.

وعلى غرار الفيروسات، ينطبق تعريف المواد مُسرطِنَة على تلك التي تستطيع التأثير في تركيب الجينوم البشري، فتُحدث فيه خللاً يوصل إلى ظهور طفرات قويّة، تتصل مع ظهور أورام خبيثة.

واستناداً إلى مواد إعلامية علمية متنوعة، خصوصاً مقالين على موقعي “جامعة هارفرد” [عنوانه “مخاوف من الإصابة بالسرطان بواسطة أشياء عادية”] و”كليفلاند كلينك” [بعنوان “المواد المسرطنة: الأنواع الشائعة”]،  نقدم قائمة قصيرة تضمّ أمثلة عن بعض المواد التي تستأهل الوصف بأنها المُسَرْطِنَة، على النحو التالي:

01-     السُكَّر. تتصدّر تلك المادة قائمة “المُسرطِنات”، بل وُصفت بأنها “الطعام المفضّل” للورم الخبيث، لكن الأمر يتعلق بالإفراط في تناولها وليس السكَّر بحدّ ذاته.

02-    الأطعمة المصنّعة بأنواعها كلّها (من أكياس التشيبس إلى المأكولات المعلّبة).

03-     تدخين التبغ بأشكاله المختلفة لأنه يحتوي قرابة 70 مادة مُسَرطِنَة.

04-    التعرّض للشمس أكثر من ربع ساعة من دون ثياب أو مراهم واقية، خصوصاً لإعطاء الجلد لوناً أسمر. ويُعتبر من أبرز أسباب السرطان لدى الشباب. وتأتي الخطورة من الأشعة فوق البنفسجيّة (“آلترا فيوليت” Ultra Violet) التي يحملها ضوء الشمس، لكن خطورتها تفاقمت مع تزايد التلوث في الغلاف الجوي.

05-    المواد الكيماويّة الصناعيّة التي يتعرّض لها العاملون في صناعات الألمينيوم والبلاستيك والدهانات وبطاريّات السيّارات وغيرها.

06-    الزرنيخ. إنها مادة منتشرة في الطبيعة، خصوصاً في المياه الملوّثة، وغبار نشارة الخشب، وغبار السيليكون، والغازات التي تنبعث في مناطق الكوارث الطبيعيّة.

07-    غاز “رادون” Radon وغبار الـ”إسبستوس” Asbestos.  وعلى الرغم من وجوده بكميات ضئيلة في الطبيعة، بل كونه غير مؤذٍ بصورة مباشرة، إلّا أن الـ”رادون” يُعتبر المسبّب الأول لسرطان الرئة عند غير المدخنين. ويتراكم في دواخل المنازل عندما لا يتجدد هواؤها في شكل ملائم. ويأتي غبار الـ”إسبستوس” من السقوف المتحرّكة المصنوعة من تلك المادة، وبعض قطع السيارات، إضافة إلى مخالطته الدخان المنبعث من مصانع الإسمنت غير المجهزة بفلاتر ملائمة.

08-    العمل في الظلام. ربما يُفاجأ بعضهم بأن العمل ليلاً باستمرار يحفّز ظهور الأورام الخبيثة، لكن الأمر حقيقي.

09-    اللحوم المُدخّنَة والخضار المشويّة على نار الفحم والخشب مباشرة.

10-    السمك المحفوظ بالملح الكثيف على الطريقة الصينيّة.

11-    اللحم المُصنّع كالنقانق واللحم المقدّد.

12-    دخان المصانع والسيارات والمركبات وغيرها.

13-    الكحول، حينما يجري احتساؤه بكميات كبيرة وبصورة مستمرة، ولا يتعلق الأمر بأشكال اخرى من تناول تلك المادة على غرار الشرب الاجتماعي.

14-    المواد المنبعثة من حفر آبار الغاز الطبيعي.

15-    التعرّض للأشعة الذريّة (بما فيها كثرة التصوير بـ”أشعة إكس”).

16-    المبيد الزراعي الشهير “غلاي فوسيات” Glyphosate الذي تُصَنِّعه شركة “مونسانتو” التي غرّمتها أميركا بلايين الدولارات قبل بضعة أعوم بسببه.

17-    مادة الـ”فورما ألديهايد” Formaldehyde المستخدم في صنع الأصماغ ومواد البناء.

18-    حبوب تنظيم الحمل وهرمون الإستروجين.

19-    الحشوات الاصطناعيّة للثدي.

20-    مجموعة من فيروسات معروف ارتباطها بالأورام الخبيثة، بما فيها “بابيلوما” Papilloma الذي يضرب عنق الرحم، إضافة إلى نوع نادر ينتقل بالصدفة أثناء القُبَل.

21-    السُمْنَة الفائضة التي تتكاثر الأدلة على علاقتها غير المباشرة مع الأورام الخبيثة.

22-    تلوّث الهواءالذي يُعتبر مشكلة متصاعدة في إطار علاقته مع السرطانات.

23-    البلاستيك من النوع الذي يحتوي مادة “بي بي إيه”  BPA.

24-    مادة الـ”أكريلامايد” Acrylamideالتي تتكوّن في مواد كالخبز المُحمّص وما يشبهه. 

 

ولا بدّ من التذكير بالدور الذي تؤديه الوراثة والالتهابات المُزمِنَة في تكوّن السرطانات. ولم توضع كبند من القائمة السابقة بهدف التذكير بأنها غير حصرية!

التعليقات معطلة.