الموت أو الجوع.. خيار غزة تحت الحصار

5

24 ـ طارق العليان
   

أكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في افتتاحيتها، أن الحاجة باتت ملحّة لإجراء تحقيق دولي مستقل في حوادث مقتل فلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء في قطاع غزة، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.

واعتبرت الصحيفة أن ما يحدث ليس نتيجة أخطاء فردية، بل نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيلية متعمدة تقوم على تجويع السكان وفرض آليات توزيع للمساعدات لا تحل الأزمة بل تزيدها تعقيداً.

إسرائيل تتحمل المسؤولية

وأضافت الصحيفة أن الخطة التي أُعدّت لتوزيع الغذاء – والتي ساهمت الولايات المتحدة في الترويج لها – لم تُعَدّ لتكون حلاً إنسانياً، بل باتت وسيلة تعرض حياة المدنيين للخطر، وتُفاقم من معاناتهم. 

وتابعت الافتتاحية: هذه الخطة “محفوفة بالمخاطر ومعروفة النتائج مسبقاً”، مشيرة إلى أن واشنطن تتحمل جانباً من المسؤولية بسبب دعمها لهذه المبادرة.

سلسلة حوادث دامية

وبحسب بيانات وزارة الصحة في غزة، فإن 27 فلسطينياً على الأقل قُتلوا بنيران إسرائيلية يوم الثلاثاء أثناء انتظارهم للحصول على الطعام، في ثالث حادثة مشابهة خلال ثلاثة أيام.

وكانت تقارير سابقة قد أفادت بمقتل أكثر من 30 فلسطينياً يوم الأحد، وثلاثة آخرين يوم الاثنين، فيما أكد الجيش الإسرائيلي حينها أنه استخدم “طلقات تحذيرية” ولم يستهدف المدنيين بشكل مباشر.

 

توقف مؤقت لخطة المساعدات الأمريكية

وفي تطور لافت، أعلنت “مؤسسة غزة الإنسانية” – وهي منظمة أمريكية خاصة تشرف على خطة توزيع المساعدات – تعليق عملياتها مؤقتاً بهدف “التحديث وتحسين الكفاءة”.

 

غير أن الغارديان اعتبرت أن المشكلة أعمق من مجرد حاجة إلى التنظيم، إذ تكمن في جوهر الخطة نفسها، التي حذرت منها منظمات أممية ووكالات إغاثة بوصفها قد تنتهك القانون الدولي، ورفضت التعاون مع الجهة المنفذة لها.

 

استقالات وتحذيرات

ووفق الصحيفة، فإن مدير المؤسسة نفسه قد استقال، معرباً عن شكوكه في قدرة الخطة على إيصال المساعدات بطريقة تتماشى مع المبادئ الإنسانية.

كما أثار مسؤولون عسكريون إسرائيليون كبار مخاوفهم من هذه الآلية، لا سيما في ظل صعوبة وصول المدنيين إلى نقاط التوزيع، وتعرضهم لمخاطر أمنية شديدة أثناء ذلك.

ولفتت الصحيفة النظر إلى أن الخطة لا تشمل الاحتياجات الأساسية غير الغذائية، مثل الأدوية، في وقت تشرف على المواقع الثلاثة لتوزيع المساعدات جهات أمنية خاصة مسلحة، وتُطوّقها القوات الإسرائيلية.

وخلصت إلى أن الفلسطينيين باتوا أمام خيارين مأساويين: إما تعريض أنفسهم للخطر للحصول على ما يسد رمق أطفالهم، أو مشاهدة أسرهم تموت جوعاً.

المكان الأكثر جوعاً على وجه الأرض

وأضافت الصحيفة أنه بعد أكثر من 11 أسبوعاً من الحصار الكامل على القطاع، وتراجع كميات المساعدات الواردة، أصبحت غزة – بحسب الأمم المتحدة – “أكثر أماكن العالم معاناة من الجوع”.

وأشارت الافتتاحية إلى أن هذه الخطة لا تُعد حلاً حقيقياً، بل مجرد “ورقة توت” تستخدمها إسرائيل لتغطية استمرار سياسة الحصار والتجويع، والتي تُسهم في دفع السكان نحو الهجرة القسرية من منطقة تتقلص مساحتها يومياً تحت وطأة العمليات العسكرية.

 

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، دعا فيها إلى “تدمير غزة بالكامل” ودفع سكانها “للهجرة إلى دول ثالثة”، واعتبرت أن هذه التصريحات تمثل دعوة صريحة للتطهير العرقي.

 

الغذاء كسلاح

وذكّرت الصحيفة أن استخدام الغذاء كسلاح يأتي ضمن سلسلة من الانتهاكات، منها استهداف المدارس والملاجئ، وتدمير المستشفيات، وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين.

وقالت إن هذه الممارسات تسببت في تراجع كبير في الدعم الشعبي لإسرائيل في أوروبا الغربية، كما بدأت أصداؤها تتردد في الداخل الأمريكي.

ورغم ذلك، اعتبرت الصحيفة أن ردود الفعل السياسية الغربية ما تزال دون المستوى المطلوب. فقد وصف زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، الوضع بأنه “لا يُحتمل”، إلا أن غياب إجراءات ملموسة من الحكومة البريطانية يعني – بحسب الصحيفة – أنها تتسامح مع استمرار الأزمة.

 

تعليق الشراكة الأوروبية

وختمت الصحيفة بالقول إن المملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا، طالبت بـ”إجراءات ملموسة” لوقف ما يجري، ويجب على هذه الدول  الآن أن تترجم كلماتها إلى أفعال، أما الولايات المتحدة، فبإمكانها – لو أرادت – إنهاء النزاع فوراً. 

 

وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي، بصفته أكبر شريك تجاري لإسرائيل، يمتلك أوراق ضغط حقيقية، وعليه أن يجمّد اتفاقية الشراكة التجارية، لكن الحل الجذري يبقى في التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن الرهائن الذين احتجزتهم حركة حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

التعليقات معطلة.