الموت كأحلام النوم في الدماغ عند لحظة الوداع

1

الحياة كحلم لحظة الفراق الأبديّ (سايتيك)

الحياة كحلم لحظة الفراق الأبديّ (سايتيك)

في ثقافات كثيرة سائدة في منطقتنا، مهد الديانات السماوية الثلاث، والحضارات الإنسانية الأولى، ثمة أخيلة لا تحصى عن التشابه بين #الموت والنوم. “ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها/ والعيش مثل السهاد”، على ذلك النحو وصف الشاعر أبو العلاء المعري، تفكيره في العلاقة بين النوم والموت.

ربما يصعب على من قرأ الإنجيل ألّا يتذكر العلاقة بين النوم والموت في عبارة السيد المسيح “لم تمتِ الصبية. لكنّها نائمة”، وقد أوردها قبل أن يُقيم من الموت فتاة كان أهلها يندبون ويلطمون لأنها فارقت الحياة. إنها صورة دينية كثيفة الجلال يحضر في ظلالها الموت والنوم.

لعبة #الأحلام بين الموت والنوم

ثمة مثل لبناني يتحدث بكلمات مرهفة عن تلك المسألة، ونصَّه “الموت بين الأهل نعاس”، وقد جعله الروائي الراحل جبور الدويهي عنوان إحدى رواياته.  

في منحى علمي مشابه، ثمة مجموعة ضخمة من تجارب واسعة ومتعددة عمّن عانوا ما يشبه سكرات الموت، وبدا كأنهم يشارفون على فراق الحياة، لكنّ النجاة كُتِبَتْ لهم فأخبروا عمّا اختبروه.

وتُدرج تلك الحالات طبياً تحت فئة “#تجارب الاقتراب من الموت” Near Death Experience، ويشار إليها أيضاً بمصطلح “موري باند” #Moribund.

وفي حدث علمي أحدث ضجيجاً في الآونة الأخيرة، كشف موقع “الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم” تفاصيل تجربة صغيرة شملت أربعة أشخاص مرّوا في “تجارب الاقتراب من الموت”، إذ توقفت قلوبهم عن الخفقان، لكنهم أُسعِفوا وأُنعِشوا واستمروا على قيد الحياة. وقد سُجِّلَتْ الموجات الكهربائية لأدمغتهم أثناء تلك اللحظات، لأنّ الطب الحديث بات يربط الموت بتوقّف القلب و#الدماغ معاً، إذ يستمّر الأخير في العمل أحياناً للحظات قليلة، وأحياناً أكثر من ذلك.

وكذلك تبيّن أنّ ثمة أمراً مشتركاً بين تلك الأدمغة الأربعة تمثّل في انبثاق مفاجئ لنشاط كهربائي في الدماغ، أثناء توقّف القلب، يشبه ما يحدث أثناء الأحلام القوية، لكنّه أيضاً يماثل ما يحدث أثناء الاستعادة المكثفة للذكريات.

وعلّق الدكتور سام بارنيا، الاختصاصي في أحد المراكز الطبية التابعة لـ”جامعة نيويورك”، على تلك المعطيات معتبراً أنها ترصد “ما نعرفه عن معايشة الأحلام المتيقظة” في إشارة إلى نوع من الأحلام يكون فيه الشخص واعياً لحقيقة أنّ ما يراه في عين المنام هو حلم، بل قد يرى نفسه في مجريات تلك المرئيات الذهنية فكأنه ينظر إلى نفسه من خارجها. ويُشار إلى أنّ الدكتور بارنيا لم يشارك في البحث المشار إليه عن الأدمغة الأربعة.

#موجات غاما بين البرق ومفارقة الحياة

في ذلك السياق، على الرغم من اتساع المعرفة التاريخية، إنسانياً وعلمياً، بظاهرة “الاقتراب من الموت”، إلّا أنّ الأبحاث عمّا يحدث في الدماغ نفسه أثناء المرور بتلك التجارب نادرة تماماً، إلى حدّ ربما يقترب من الصفر، وفق البروفيسورة جيمو بيورغين. وتعمل الأخيرة في “جامعة ميشيغن” الأميركية، وهي متخصّصة في علوم الأعصاب.

ويعطي ذلك إضاءة أولى عن أهمية التجربة التي جرت على أربعة أشخاص مرّوا في معبر الـ”موري باند”، على الرغم من صغر العيّنة التي شملتها.

وفي منحى أكثر تفصيلاً، تركّز عمل البروفيسورة بيورغين على أربعة أشخاص يعانون غيبوبة عميقة، ويعيشون بفضل آلات الإنعاش الطبية، لكنّ الأطباء يعتبرون موتهم أمراً شبه محتّم، بمعنى التدنّي الشديد لاحتمال عودتهم إلى الحياة الطبيعية. وبقول آخر، يُنظر إلى هؤلاء على أنهم في معبر ما بين الحياة والموت.

ورصدت بيورغين بدقّة الموجات الكهربائية للأشخاص الأربعة، خصوصاً في اللحظات التي تلت فصلهم عن آلات الإنعاش الطبّي والتنفّس الاصطناعي، ثمّ موتهم.

وأثناء تلك اللحظات الأخيرة من حياة أولئك الأربعة، التمعت في رسوم الموجات الدماغية تدفّقات قوية من النوع المسمّى “موجات غاما” Gamma Waves. ويعرف عن تلك الموجات أنها تحدث عند الأحياء الطبيعيين أثناء التعلّم واستعادة الذكريات والأحلام المتيقظة، فينظر الطب إليها بوصفها من المؤشرات القوية على وجود حال من الوعي في الدماغ. وكذلك رصدت موجات غاما لدى الأحياء أثناء حدوث نشاط في المخّ يتضمن ترابطاً بين مجموعة من المراكز المتخصصة فيه، على غرار استعادة ذكريات تشمل أصواتاً وروائح ومشاعر مكثفة.

وتستدعي موجات غاما ظلالاً علمية كثيرة من بينها أنها تنبجس بين الغيوم المحمّلة بالغبار والمشبعة بالماء، لحظة انطلاق البروق والصواعق. وتحمل تلك الموجات طاقات كثيفة، إلى حدّ أنّه يوجد عمل علمي كثيف على استيلاد الطاقة بصورة منضبطة كي تكون مصدراً آخر ونظيفاً للطاقة.

وقبل بضعة أشهر، ظهر بحث ربط الغيوم والبروق والمطر، مع آليات يحتمل أنها ترافق تكوُّن كائنات حية!

وفي مسار محمَّل بالدلالات، لا يعرف العلماء كيف يولّد الدماغ موجات غاما، خصوصاً عند أشخاص يمرّون في “تجارب الاقتراب من الموت”، أو قبيل الموت فعلياً، على غرار الأربعة الذين شملتهم تجربة البروفيسورة بيورغين. وقد أورد موقع “الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم”، ذلك الملمح المتعلّق بعدم معرفة العلم تفاصيل وافية عن موجات غاما وعلاقتها بنشاطات الدماغ المختلفة، بما في ذلك مرحلة المرور إلى الموت، استناداً إلى رأي علمي مفصّل عن تجربة البروفيسورة بيورغين أدلى به الدكتور آجمال زيمار، المتخصّص في جراحة الدماغ والأعصاب في “جامعة لويسفيل” الأميركية.

وبالتالي، خلص زيمار إلى التشديد على أنّ “الموت لغز”، لكنّ العلم لم يستطع إدراكه حتى الآن.

التعليقات معطلة.