مقالات

{الموت للخونة والفاسدين وتشرين ثورة لن تموت}

حسن فليح /محلل سياسي


منذ اندلاع تظاهرات تشرين في 1 أكتوبر 2019، التي كانت شرارة الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية في العراق، يبدو أن الوضع لم يتحسن، بل على العكس، شهدت البلاد تدهوراً في العديد من المجالات. الفساد المالي والإداري لا يزال متفشياً، والبطالة تفاقمت، والخدمات العامة تعاني من شبه انهيار.

الحكومة، رغم وعودها بإصلاح الأوضاع، لم تفِ بتلك الوعود بالشكل المطلوب، وهو ما يثير تساؤلات حول إمكانية اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات مع اقتراب ذكرى ثورة تشرين. الشارع العراقي يعاني من إحباط متزايد بسبب الفشل في تحقيق التغيير المنشود، وهو ما قد يدفع الشباب والمواطنين للعودة إلى الساحات للمطالبة بالإصلاحات التي طال انتظارها.

الاحتقان الاجتماعي والسياسي في العراق يظل في مستويات عالية، ومع عدم وجود بوادر واضحة لتحسن الأوضاع، يبدو أن ذكرى ثورة تشرين قد تحمل معها مشاعر الغضب والإحباط مرة أخرى.

على مرّ التاريخ، شهدت الشعوب ثوراتٍ انطلقت من رحم الظلم والقهر، وكلما ازداد استبداد الحكام وطغيان السلطة، كلما اشتدّت إرادة الجماهير وتشبّثت بالحرية والكرامة. ومن بين تلك الثورات، برزت ثورة تشرين في العراق كرمزٍ جديد لتطلعات الشعب العراقي التي لا تخضع ولا ترضى بالهوان.

ثورة تشرين ليست مجرد حراك شعبي عابر أو انتفاضة لحظية، بل هي صرخة من أعماق قلوب العراقيين، الذين ملّوا الفساد المستشري في أروقة السلطة والخيانة المتكررة لأمانة الوطن. كانت تشرين نداءً واضحاً للعالم بأن الشعب العراقي لا يزال ينبض بالحياة والإرادة، رغم العقود الطويلة من الحروب والدمار والانقسامات.

عندما يتحدث الناس عن “الخونة” و”الفاسدين”، فإنهم يشيرون إلى من خانوا الأمانة وقاموا بسرقة أموال الشعب وعرّضوا الوطن للخطر من أجل مصالحهم الشخصية أو مصالح قوى خارجية. هؤلاء، رغم قوتهم الظاهرية وسطوتهم، هم في الحقيقة هالكون لا محالة. فالتاريخ لا يرحم، والظلم لا يدوم. وفي نهاية المطاف، ينتهي كل طاغية، ويذهب كل فاسد، ويُطوى ذكرهم في مزبلة التاريخ.

لكن ما يبقى هو الثورة. وما يبقى هو الشعب وإرادته. تشرين هي ثورة من نوع خاص، لأنها تمثل تجسيدًا حقيقيًا لمعاناة طويلة ورغبة شعبية في التغيير الجذري. هذه الثورة، رغم كل الصعوبات التي واجهتها، لم تنطفئ جذوتها. هي باقية، لا في الشوارع والساحات فحسب، بل في قلوب كل عراقي يؤمن بأن الوطن يستحق أفضل مما يعانيه الآن.

يموت الخونة والفاسدون. قد تتغيّر الأسماء والوجوه، لكن النتيجة واحدة: سقوطهم أمر لا مفر منه. فالخيانة والفساد لا يخلدان في أي نظام ولا يدومان في أي مجتمع. أما تشرين، فهي أكبر من مجرد انتفاضة. إنها رمزية عالية لمعنى الصمود والإرادة، وتعبيرٌ عن رغبة العراقيين في حياة كريمة، تليق بتاريخهم العريق وحضارتهم الممتدة لآلاف السنين.

ربما يحاول البعض إطفاء شعلة تشرين، بالقمع أو التشويه، ولكنها ستبقى نورًا يضيء طريق الأجيال القادمة.