الناتو بدون أمريكا.. أزمة غير مسبوقة

2

 

 

24 – أبوظبي

 

على مدار 76 عاماً من تاريخه، واجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) العديد من الأزمات، لكن لم تكن أي منها بقدر خطورة ما يواجهه اليوم، وفقاً لتقرير في مجلة “فورين أفيرز”.

 

فمنذ عودته إلى منصبه، شكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مبدأين أساسيين لالتزام التحالف بالدفاع المشترك: الاتفاق الجماعي على التهديدات التي تواجه أعضاء الناتو، وعدم قابليتها للتجزئة، بحسب التقرير.

في فبراير (شباط)، انحازت الولايات المتحدة إلى روسيا ضد بقية أعضاء الناتو عندما رفضت إدانة غزو روسيا لأوكرانيا في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ذلك كرر ترامب تصريحاته التي تشكك في مبدأ الدفاع الجماعي، معلناً أن الولايات المتحدة لن تدافع عن الحلفاء الذين “لا يدفعون”، رغم أن معظم دول الناتو زادت إنفاقها الدفاعي بشكل كبير منذ عام 2014.

 

احتمالية انسحاب أمريكا

نظراً لتقليل ترامب من أهمية التحالف والتزامه بالدفاع المشترك، لا يستبعد أن تسعى إدارته إلى الانسحاب من الناتو، بحسب التقرير.

ورغم أن الكونغرس الأمريكي أقر قانوناً في أواخر عام 2023 يمنع الرئيس من القيام بذلك دون موافقته، فإن هناك شكوكاً حول ما إذا كان بإمكان المحكمة العليا التدخل لمنع هذا القرار، حيث لطالما فضلت المحكمة ترك مسائل السياسة الخارجية للسلطة التنفيذية.

حتى لو لم تنسحب الولايات المتحدة رسمياً من الحلف، فقد أضر ترامب بالفعل بمصداقيته. تستند قوة المادة 5 من معاهدة الناتو – التي تنص على أن أي هجوم على أحد أعضاء الحلف يُعتبر هجوماً على الجميع – إلى الثقة المتبادلة بين الأعضاء.

 

تاريخياً، كانت الولايات المتحدة هي الضامن الرئيسي لهذه السياسة بفضل قوتها العسكرية الهائلة، ومع تهديدات ترامب وتصريحاته العدائية ضد بعض الدول الأعضاء، مثل كندا وغرينلاند، أصبحت هذه الثقة محل تساؤل.

 

هل يمكن للناتو البقاء بدون أمريكا؟

نظرياً، بحسب التقرير، نعم.. ففي حال انسحاب الولايات المتحدة، ستظل المعاهدة سارية على الأعضاء الآخرين البالغ عددهم 31 دولة. ولكن عملياً، سيكون من الصعب استبدال الدور الأمريكي في وقت قصير، لا سيما أن الولايات المتحدة لعبت تاريخياً الدور الأكبر في قيادة العمليات العسكرية للحلف.

 

لذا، سيكون من الضروري أن تبدأ الدول الأوروبية في الاستعداد لمرحلة ما بعد أمريكا من خلال زيادة التمويل العسكري، وشراء المزيد من الوقت، وضمان استمرار التعاون الأمريكي بأية وسيلة ممكنة.

 

الدور القيادي لأمريكا

ويختلف الناتو عن أي تحالف عسكري آخر، حيث يتمتع بهياكل قيادة سياسية وعسكرية مشتركة، وتخطيط دفاعي موحد، وتمويل جماعي.

رغم أن هذه المسؤوليات موزعة بين الأعضاء، إلا أن الولايات المتحدة لعبت دائماً الدور الرئيسي في قيادة الحلف.

ومنذ تأسيسه عام 1949، أصرّت واشنطن على أن تتكامل القدرات الدفاعية للدول الأعضاء ضمن هيكل تقوده الولايات المتحدة، ما منحها السيطرة على العمليات العسكرية الكبرى للحلف.

 

وخلال الحرب الباردة، عززت الولايات المتحدة نفوذها في الناتو من خلال توفير الحماية النووية لأوروبا، وإقامة أنظمة دفاع جوي متقدمة، فضلاً عن تقديم الدعم الاستخباراتي والتكنولوجي.

وبالمقابل، قَبِل معظم الحلفاء هذا الترتيب لأنه كان يضمن أمنهم ضد التهديدات السوفيتية. ومع ذلك، لم تكن جميع الدول مرتاحة لهذا الوضع، إذ سعت فرنسا بقيادة شارل ديغول في ستينيات القرن الماضي إلى الاستقلال عن واشنطن، مما دفعها إلى تطوير أسلحتها النووية والخروج من الهيكل العسكري للناتو عام 1966، رغم بقائها عضواً في الحلف.

 

مستقبل الناتو

بعد أن كانت الولايات المتحدة تضغط لعقود من أجل الحفاظ على موقعها القيادي في الناتو، يبدو أنها الآن ترغب في تقليص هذا الدور.

فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في أول ظهور له أمام الحلف في فبراير (شباط)، بأن “الولايات المتحدة لم تعد تركز بشكل أساسي على أمن أوروبا”، داعياً الحلفاء الأوروبيين إلى تحمل مسؤولية أمن القارة بشكل أكبر. لكنه لم يوضح كيف يمكن لأوروبا أن تستلم قيادة منظمة بُنيت منذ عقود لضمان هيمنة أمريكا.

 

تحديات أمام أوروبا

وبحسب التقرير، يتطلب تحويل الناتو إلى تحالف أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة ثلاثة أمور رئيسية: المال، الوقت، والتعاون الأمريكي.

 

ويتوقع أن تزيد الدول الأوروبية إنفاقها الدفاعي بشكل كبير، حيث دعا الأمين العام الجديد للناتو، مارك روتي، إلى تخصيص أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع.

التعليقات معطلة.