وائل السمرى
كثيرا ما سألت نفسى: لماذا استطاع الشعب المصرى أن يحافظ على وجوده فى هذا الكون طوال هذه الفترة السحيقة من الزمن؟ كيف تصارع ممالك، وفنيت شعوب، وظل هو على حاله؟ نادرا ما تلمح أى تغيير فى شخصيته منذ آلاف السنين وحتى الآن، جداريات المقابر الفرعونية تحمل نفس الملامح لفلاحى مصر، نفس الأفعال، نفس الملابس، نفس الشغف بالحياة والحب، لا فرق يذكر بين اللوحات التى رسمها الفراعنة على مقابرهم للعمال والفلاحين، واللوحات التى رسمها راغب عياد مصورا نفس المشاهد، تقوم الدنيا وتقعد، تنام وتستيقظ، تشتعل وتخمد، والمصريون هم المصريون، لا شىء يتغير، ولا شىء يتبدل.
يتعاظم السؤال إذا ما وضعنا فى الحساب أن مصر بهذا الموضع المتميز فى العالم، وهذا الخصب الشهير لأراضيها، كانت طوال الوقت محل نزاع، لكن المصريين لم يتدخلوا فى هذا الأمر، الفلاح المصرى ظل طوال التاريخ لا يرتبط بعلاقة تذكر مع الحاكم إلا من خلال ما يدفعه من ضرائب، وما يشق له من ترع، لسان حاله يقول «لكم حكمكم ولى الدنيا» يحكمه مصريون، يحكمه فارسيون، يحكمه يونانيون، يحكمه رومانيون، يحكمه مسلمون، يحكمه أمويون، يحكمه عباسيون، يحكمه فاطميون، يحكمه أيوبيون، يحكمه مماليك، يحكمه عثمانيون، يحكمه علويون، يحكمه مصريون مرة أخرى، طوال الوقت كانت مصر محل صراع، لكن المصرى لم يكن محل صراع، صراعه كان مع «دودة القطن» وقسوة الفيضان، صراعه كان مع الكوليرا التى تجتاح قريته، أو الجفاف الذى يكدر عليه حياته، أما الدماء وسافكوها، أما العروش وساكنوها، فلم يكن لهذا الصراع فى قلبه مكان.
– قتلة يحاربون قتلة، مقتولون يسفكون دماء مقتولين، فما لنا وهذا الأمر يا ابن عمى؟ هم يقتلون بعضهم البعض من أجل ملك زائل، أو زينة بالية، أو نشوة عابرة، عائلة تقضى على عائلة، وعائلة تأسر أفراد عائلة، وجماعة تبيد جماعة، وجماعة تنفى جماعة، الأخ يقتل أخته، والابن ينحر أباه، والزوجة تخون الزوج وتقصيه من أجل تتويج عشيق، والدم يسيل هنا وهناك، هم يتسابقون على رؤية أبنائهم دون رؤوس، يتسابقون على الظفر بنساء هذا القائد أو حريم هذا الحاكم، أما نحن فلنا أولادنا، نظرة فى أعينهم بالدنيا وما فيها، ولنا نساؤنا، حضنهن يشبع ورائحتهن تمتع، ومشاكستهن تلهب القلب والعقل والروح.
هل فكر المصريون منذ قديم الأزل مثل هذا التفكير؟ هل أدرك المصريون أن الحياة بالية فتنازلوا طوعا عن كل ما يأتى به صراع البشر مع البشر؟ هل اكتشفوا أن الصراع مع الطبيعة وترويضها هى المعركة الكبرى، فتركوا الصغائر للصغار؟ وهل الشعب المصرى وفق هذا المنطق هو الخاسر الوحيد أم الفائز الوحيد؟