{الناصرية مهد الانتفاضات وقلب العراق النابض نحو التغيير}

16

 

لطالما كانت مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، في صدارة المشهد العراقي كلما اشتعلت شرارة تغيير أو انتفاضة. هذه المدينة، بتاريخها العريق وإرثها النضالي، تجسد روح الثورة والمقاومة في وجه الظلم والاستبداد. فلم تكن الناصرية مجرد مدينة عراقية أخرى، بل كانت وما تزال القلب النابض لكل حراك شعبي يسعى نحو التغيير.

منذ بداية الانتفاضة العراقية في أكتوبر 2019، كانت الناصرية مهد الحراك الشعبي، حيث خرجت الجماهير في احتجاجات عارمة تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي وإنهاء الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. لم تكن تلك الانتفاضة وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات طويلة من التهميش والفقر والبطالة التي عانت منها المدينة لأعوام. ورغم ذلك، فإن إصرار أهل الناصرية على المطالبة بحقوقهم وبناء عراق جديد لم يتراجع لحظة.

لماذا الناصرية؟

تتجلى أهمية الناصرية في موقعها الجغرافي والتاريخي. فهي ليست فقط مدينة تاريخية قديمة، بل هي رمز للصمود والإصرار. منذ العهد الملكي وحتى يومنا هذا، كانت الناصرية مركزاً للحركات الاحتجاجية ضد الأنظمة القمعية. المدينة التي أنجبت العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية الكبرى التي قادت مراحل مختلفة من نضال العراق.

يرى العديد من المراقبين أن الناصرية تمثل “بارومتر” المزاج الشعبي العراقي. فما يحدث في الناصرية غالباً ما يكون مؤشراً على التحولات القادمة في العراق ككل. وما يجعل هذه المدينة استثنائية هو قدرتها على الاستمرار في التحدي رغم القمع والعنف الذي تعرضت له الاحتجاجات الشعبية فيها.

الحراك الشعبي.. الشعلة التي لا تنطفئ

لقد أثبتت الناصرية خلال السنوات الأخيرة أنها ليست مجرد مركز احتجاجات، بل هي صوت الشعوب المضطهدة في العراق. من “جسر الزيتون” الذي شهد اعتصامات ومسيرات ضخمة، إلى الميادين التي غصت بالمتظاهرين، كان أبناء الناصرية في طليعة كل انتفاضة، يطالبون بحياة كريمة ومستقبل أفضل.

ولكن ما يميز هذه المدينة هو وحدتها وروح التعاون بين أهلها. فرغم المحاولات العديدة لزرع الفتنة أو تقسيم الحراك، إلا أن أهل الناصرية أثبتوا أن وحدتهم هي قوتهم. فقد أصبحت المدينة رمزاً للإرادة الشعبية التي لا تقهر، وتمكنت من جذب انتباه العراقيين والعالم إلى قضيتها.

الناصرية وتحديات التغيير

رغم الزخم الشعبي الذي تحظى به الناصرية، إلا أن التحديات التي تواجهها ليست بالقليلة. فما زالت القوى السياسية تسعى لاحتواء الانتفاضات وتفريغها من محتواها. كما أن القوى الخارجية لا تزال تلعب دوراً في التأثير على مجريات الأحداث داخل العراق، مما يجعل مهمة التغيير أكثر تعقيداً.

لكن ورغم كل الصعوبات، يبقى أهل الناصرية مصممين على المضي قدماً نحو تحقيق أهدافهم. فهم يدركون أن الطريق نحو عراق جديد لن يكون سهلاً، لكنه يستحق كل التضحيات.

الناصرية.. نحو مستقبل أفضل

إن الناصرية اليوم ليست فقط مدينة احتجاجات، بل هي رمز للتغيير في العراق. المدينة التي قدمت آلاف الشهداء والمصابين في سبيل الحرية والكرامة لن تتوقف حتى تحقق مطالبها. ومع تزايد الوعي الشعبي واتساع رقعة الاحتجاجات في بقية المدن العراقية، يبدو أن الناصرية ستظل في مقدمة المشهد السياسي العراقي.

في النهاية، تبقى الناصرية مثالاً حياً على أن الشعب العراقي قادر على صناعة التغيير، وأن إرادة الشعب أقوى من أي قوة تسعى لقمعه.

التعليقات معطلة.