مقالات

{الناصرية وقمع التظاهرات}

حسن فليح /محلل سياسي

الذي حصل من قمع مفرط للتظاهرات في مدينة الناصرية مؤخرا هو ليس الاول من نوعة ، الغريب ان تلك التظاهرة التي قام بها مجموعة من شباب وشابات الناصرية من المهندسين والمهندسات تخرجوا منذ سنوات ويبغون التعين بحثا عن عمل ينقذهم من حالة العوز وتردي حالتهم المعيشية وهم طليعة واعية من شبابنا ، تصدت لهم قوى الامن بالضرب المبرح على النساء منهم والرجال في صورة بشعة تسجد الوحشية وعدم احترام الانسان العراقي علما انها تظاهرات سلمية ولم ترفع شعارات سياسية ضد السلطة ، وان كانت كذلك فأن التظاهرات حق مشروع يكفله الدستور العراقي ، يبدو ان هذا الرد وبهذا الشكل القمعي هو رسالة الى العراقيين مفادها ان القوى الامنية جاهزة ومستعدة لكل من يتظاهر حتى لو كانت تلك التظاهرات مطالبة بالتعيينات فكيف سيكون حال القمع المنتظر للمظاهرات التي تطالب بالاصلاح السياسي وتعديل المسار !؟ قلق السلطة واضح من الناصرية كونها المدينة العراقية الاولى التي كسرت هيبة الأحزاب والمليشيات وحرقت مقراتها، والذين تأخروا بهذا الموضوع من بقية المدن العراقية حاولوا تقليدها وتحويلها لأيقونة بقضية التظاهرات وتصعيد الاحتجاجات ، تحولت مدينة الناصرية جنوب العراق إلى بوصلة الاحتجاجات الشعبية، وتولت في وقت عصيب إدارة دفة المظاهرات وكلنا نعلم انها كانت المكان للشرارة الاولى واثرها العميق في ثورة تشرين العظيمة عام 2019 ،
وتشتهر محافظة الناصرية بطبيعتها المتمردة تاريخيا حيث كانت المكان لنشوء العديد من الحركات السياسية في البلاد، بما في ذلك الحزب الشيوعي في ثلاثينيات القرن الماضي، وحزب البعث في الخمسينيات.
وصارت فيما بعد مركزا للجماعات المسلحة الشيعية التي تتحدى حكم النظام الدكتاتوري، وكانت أهوارها ملاذا لكثير من القيادات السياسية هربا من بطش النظام السابق وتُستخدم ملجأ لهذه الجماعات ،
للناصرية تاريخ يمتد إلى 7 آلاف سنة، حيث المدينة الأثرية “أور” التي سميت ذي قار فيما بعد، لأن أرضها تحتوي على القار. ومعركة “ذي قار” أخذت اسمها منها وتميزت المعركة التي نشبت بين الفرس والعراقيين عام 609 ميلادي حقق عرب العراق انتصارا تاريخيا باهرا على الفرس فيها، الناصرية مدينة ليس لها نظير من المدن العراقية هي المدينة التي تشكل الارث التاريخي والرمز الحضاري للعراق ، كما انها شكلت الهوية الثفافية والسياسية في تاريخنا المعاصر ،
هناك العديد من الأبعاد الفكرية السياسية في الناصرية التي جعلت منها على مدى العقود الماضية منتجة للفكر السياسي، وهو ما يتجلى في العديد من القيادات الحزبية التي برزت من الناصرية خلال العقود الماضية في العهد الملكي والجمهوري ، ان اسباب استمرار التظاهرات المتكررة في ناصرية هو نتيجة حتمية للاحباط الشعبي المتزايد من سوء الاداء الحكومي والسياسي للاحزاب على مدى العشرين سنة الماضية فضلا عن الوعود الكاذبة بعملية الاصلاح السياسي الذي يشكل المفتاح الحقيقي للحل وستبقى الناصرية سباقة في عطائها الفكري والثقافي والسياسي كونها كانت ولازالت الرمز التاريخي للرفض والمعارضة الواعية .