مقالات

{النزاهة تستغيث من هيمنة الفاسدين}

حسن فليح / محلل سياسي

شهدت العقود الأخيرة في العراق صراعًا طويلًا ضد الفساد الذي أصبح متجذرًا في كافة مفاصل الدولة، مما أدى إلى تدهور الثقة بين المواطن والحكومة. ورغم الجهود المستمرة من قبل المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها هيئة النزاهة، إلا أن الفساد يظل العائق الأكبر أمام تحقيق إصلاحات حقيقية في العراق.

الفساد وهيمنة النفوذ

إن أحد أبرز التحديات التي تواجه العراق هو وجود شبكات فساد معقدة يديرها أفراد وجماعات نافذة تستغل مواقعها في السلطة لتحقيق مكاسب شخصية. هذه الهيمنة لا تقتصر فقط على المستوى الإداري، بل تمتد إلى جميع المستويات، حيث يتسلل الفساد إلى مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. أصبح من الصعب على المؤسسات الرقابية العمل بحرية وفاعلية في ظل التهديدات والضغوط المستمرة من قبل هذه الفئات الفاسدة.

النزاهة في مواجهة الواقع المرير

تأتي هيئة النزاهة كجزء من منظومة رقابية تسعى إلى تحقيق الشفافية والمساءلة. إلا أن عملها يعاني من العديد من القيود، أبرزها التأثير السياسي المباشر الذي يمارسه الفاسدون على تلك المؤسسات، حيث يتلاعبون بالقوانين والتشريعات لصالحهم. وتواجه الهيئة أيضًا نقصًا في الموارد البشرية والمالية الكافية لمكافحة هذه الآفة بشكل فعال.

صرخات الاستغاثة

تستغيث هيئة النزاهة اليوم من هيمنة الفاسدين الذين لا يتوقفون عن استخدام نفوذهم لتعطيل عمليات التحقيق والرقابة. ورغم الحملات المستمرة لمكافحة الفساد، لا تزال الشبكات الفاسدة تتوسع وتنمو، مما يزيد من معاناة المواطن العراقي الذي يجد نفسه حبيسًا لنظام يفتقد إلى الشفافية والنزاهة.
أفق الإصلاح

يبقى السؤال: ما هو السبيل لتحقيق إصلاح حقيقي في ظل هذه الهيمنة؟ الإجابة لا تكمن فقط في تعزيز صلاحيات هيئة النزاهة والمؤسسات الرقابية، بل يجب أن يشمل ذلك إصلاحًا سياسيًا جذريًا يلغي نفوذ الفاسدين في السلطة، ويحتاج العراق إلى دعم داخلي وخارجي لتحقيق بيئة تُحترم فيها القانون والمؤسسات، ويتم فيها تعزيز الثقة بين المواطن والدولة.

إن النزاهة في العراق ليست مجرد قضية أخلاقية، بل هي قضية وجودية لمستقبل البلاد. يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية وجماعية للتخلص من هيمنة الفاسدين وتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة وايقاف جذري لعملية النهب المستمر لثروات البلاد .