المجموعات المنتمية لطهران تعيش تحدياً كبيراً بسبب الأحداث التي ترافق الحرب بين “حماس” وإسرائيل وأداء قادة النظام جعل البلد ضمن “محور الشر”
كاميليا انتخابي فرد رئيس تحرير اندبندنت فارسية
جندي إسرائيلي خلال مناورة عسكرية بالقرب من الحدود مع لبنان في 26 أكتوبر 2023 (رويترز)
أثناء متابعة الحرب بين إسرائيل و”حماس” التي بدأت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري يُطرح اسم بلدين مرتبطين بالحدث باستمرار وهما إيران ولبنان.
كانت إسرائيل قد هددت بشن هجوم ضد إيران إذا ما قرر “حزب الله” خوض الحرب التي تخوضها مع “حماس”. والزيارات المتتالية لزعماء الغرب تكشف تأييدها تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد إيران.
من جانبها أعلنت إيران أنها لن تخوض الحرب لكنها تدعم “حماس” في العلن، ويرافق ذلك اشتباكات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
وهاجمت القوات الإسرائيلية أهدافاً في سوريا منها مطار دمشق وقد كشف مراقبون أنها طاولت أهدافاً تعمل لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية لـ “حزب الله” وحليفته إيران.
فهل تخوض الميليشيات التابعة للنظام الإيراني الحرب لدعم “حماس”؟
ولماذا يكرر الغرب تزامناً مع تهديداته لإيران أنه لم ترد بعد معلومات تثبت دعم طهران “حماس” في هجومها الأخير؟
وكيف يفسر النظام الإيراني هذه التهديدات وما الإجراءات التي يتخذها في هذا المجال؟
“الهلال الشيعي”
تعلن إيران منذ 40 عاماً أنها تدعم “محور المقاومة” وأنها أنفقت أموالاً كثيرة لتدريب وتزويد هذه الميليشيات بالأسلحة والعتاد وأنها ترى أن الميليشيات التابعة لها تعيش ذروة نشاطها.
“الهلال الشيعي” الذي تحدثوا عنه في وقت سابق يمر في عدد من العواصم العربية من دمشق إلى بغداد مروراً بصنعاء وبيروت، ويعتبر النظام أن هذه البلدان تشكل ساحة لنشاطه وأنه لم يدخر أي جهد من أجل دعمها والاهتمام بالاستثمار المعنوي والمالي فيها.
المصانع العسكرية في لبنان وغزة تنتج مئات الآلاف من الصواريخ والقنابل التي تهدد إسرائيل من دون حضور ملموس لعناصر النظام الإيراني.
وأنفق النظام مليارات الدولارات خلال الـ40 عاماً الماضية لدعم وتجهيز هذه المجموعات وإيجاد علاقة طائفية بين الميليشيات الشيعية المختلفة في بلدان المنطقة.
تزوج عدد كبير من قوات الحرس الثوري من لبنانيات. كما أن زينب سليماني ابنة أشهر قائد في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، تزوجت رضا صفي الدين ابن هاشم صفي الدين وهو من كبار مسؤولي “حزب الله” اللبناني.
وتشبه الأوضاع في العراق وسوريا ما يمر به لبنان، وهذه الاستثمارات المعنوية والبشرية والمالية تجعل النظام يشعر بنشوة وثقة كاذبة.
إنهم ينظرون إلى تجربة “طالبان” وحرب العصابات التي خاضتها ضد القوات الأميركية في أفغانستان حيث استطاعت الحركة من خلال إنفاق عشرات الملايين من الدولارات تمويل حرب ضد هذه القوات والأخرى المتحالفة معها واستطاعت “طالبان” في نهاية المطاف طرد القوات الأميركية طبقاً لما تروج له.
وينظرون إلى دعمهم الميليشيات التابعة لهم في العراق، إذ ألحقت خسائر كبيرة بالقوات الأميركية وأرغمتها على ترك العراق. ويضعون في الحسبان دعمهم في تجهيز وتسليح الحوثيين ويعتقدون أن هذا الدعم كان سبباً في إعادة العلاقات مع جيرانهم العرب.
تصور خاطئ
يبدو أن هذا التصور الخاطئ والشعور بنشوة النصر جعلهم يعتبرون هجوم “حماس” على إسرائيل بأنه يمثل نوعاً من الاقتدار في المنطقة. هذا التصور رافقه أخطاء في الحسابات وتقدير النتائج.
إنهم لم يدركوا أن توجه البلدان المجاورة لإيران لتطبيع العلاقات مع طهران لم يأت بسبب الشعور بالخوف من النظام الإيراني واليأس، بل بسبب رغبتها بالتنمية الاقتصادية والاهتمام بالخطط البعيدة المدى التي تستهدف مصالحهم الوطنية.
ادعى إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” أمام الكاميرات أن النظام الإيراني و”حزب الله” كانا على اطلاع بهجوم السابع من أكتوبر ضد إسرائيل وأنهما دعما هذا الهجوم. في حين أن مرشد النظام الإيراني علي خامنئي كان قد ظهر من جانبه أمام الكاميرات، مؤكداً أن إيران لم يكن لها أي دور في الهجوم لكنه دعم حركة “حماس”.
هذا السيناريو يذكرني بتصريح أمين عام “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله بعد الاتفاق النووي في عام 2015، حين أبدى قلقاً من قطع الدعم المالي من قبل إيران واعترف أن إيران تدفع جميع كلف الحزب.
لقد تحدى النظام الإيراني من خلال هذا الاعتراف لكي لا تقوم من وراء الستار بإبرام اتفاق مع القوى الكبرى ضد مصالح الحزب الذي يحتاج إلى مواصلة الدعم الإيراني من أجل البقاء.
النظام الإيراني ومنذ نشأته عام 1979 لم يستطع تغيير سلوكه ويسير على نهج سار عليه منذ بداية قيام النظام.
كيف يمكن أن يقطع النظام الإيراني بعد 44 عاماً علاقاته المبنية على أيديولوجية سائدة في البلاد وتحركها مافيات ومجموعات إرهابية في المنطقة؟
تهديد ضد الغرب
نشأة “حماس” وتجهيزها ودفع كلفة عملها كان ولا يزال من أجل إيجاد تهديد ضد الغرب ويخدم وجودها النظام الإيراني، ويبدو أنه إذا ما شاهد سقوط “حماس” وتدميرها فإنه سيطلب من ميليشيا “حزب الله” خوض القتال.
لا يعير النظام الإيراني أي أهمية لإيران ولبنان والشعب الفلسطيني ومبادئه. ما يهم النظام هو استمرار حكم النظام الشيعي المتطرف والشمولي ولن يترددفي القضاء على أي شخص أو جهة تعارض إجراءاته الطائفية.
هذه المرة يبدو أن النظام الإيراني عمل بشكل متسرع ومتطرف ولم يعرف أن زيارات قادة الغرب إلى إسرائيل تعني دعمها في الحرب ضد “حماس” و”حزب الله” والنظام الإيراني.
ما يحدث حالياً يذكرنا بهجوم “القاعدة” على الولايات المتحدة الذي أدى إلى وضع العالم أمام حكومة “طالبان” ورافق ذلك حرباً أدت إلى طي ملف الحكم الظالم لـ”طالبان” في أفغانستان.
كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 القرار رقم 1378 القاضي بالهجوم على “القاعدة” في أفغانستان واستهدف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قواعد المنتمين إلى “طالبان” و”القاعدة”.
مثلما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيراً خلال زيارته إلى إسرائيل فإن الهجوم الهادف لـ”حماس” لقتل اليهود من شأنه أن يصنف جريمة ضد الإنسانية، ويمكن أن يرافق ذلك إصدار قرار من مجلس الأمن يسمح باستهداف الميليشيات والبلدان الداعمة لها من خلال تقديم الأموال والسلاح.
النظام الإيراني لا يملك إمكانات خوض حرب بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود شرعية شعبية بين المواطنين الذي يعيشون حالة استياء من إجراءات النظام.
وكان النظام قد بدأ علاقات جديدة مع جيرانه العرب، مما يعني أنه لا يمكنه تهديد هذه البلدان أو العمل ضد مصالحها القومية من أجل الوقاية من الهجوم الخارجي المحتمل ضده.
النظام الإيراني وضع البلاد والشعب الإيراني الداعم للسلام والاعتدال أمام خطر كبير. والأيام المقبلة تشكل تحديات كبيرة ومهمة تتعلق باستمرار أو القضاء على المجموعات الإرهابية والميليشيات التي يدعمها النظام الإيراني.
يجب الإشارة إلى أن تدمير “حماس” وغزة لا يجلب السلام والهدوء للشعب الإسرائيلي مثلما يدعي بنيامين نتنياهو.
هذه حرب أيديولوجية لا يمكن أن تقضي على الميليشيات الموجودة في غزة بواسطة القصف.
الرأي العالم العالمي لأكثر من مليار مسلم في أنحاء العالم يتأثر بهذه الأحداث وهذه الأيديولوجية تنتشر بشكل أو آخر من مكان إلى مكان آخر. مثلما حدث خلال الهجوم الأميركي على “القاعدة” لاجتثاث “جذور الإرهاب”، إذ تحولت “القاعدة” إلى “داعش” وارتفعت نسب التطرف والأفكار المتشددة لهذه “المجموعات الإرهابية”.
يجب أن يتغير الموقف الأميركي “الداعم” لـ”حماس” بتزويدها مبلغ 30 مليون دولار شهرياً عبر قطر. هذه الإجراءات كانت تحظى بدعم الديمقراطيين وكانت من أساسيات حكم جو بايدن. هذه السياسة يعتبرها المراقبون أنها من أسباب توفير الدعم المالي للميليشيات التي تعمل ضد المصالح الأميركية.
دولة فلسطينية
لقد ثبت عدم جدوى مثل هذه السياسات لكن الديمقراطيين في الولايات المتحدة لا ينوون التخلي عنها. يجب أن تتخلى إسرائيل عن هذا التوجه بأن وجود المجموعات المتطرفة مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” تؤدي إلى إيجاد شرخ في مشروع تشكيل الدولة الفلسطينية بقيادة السلطة الوطنية الحالية.
برأيي أن الحل للخروج من هذا المأزق سياسي وليس عسكرياً.
يجب أن يبدي نتنياهو شجاعة وأن يبادر بقبول مشروع جيرانه العرب القاضي بتشكيل دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
تشكيل الدولة الفلسطينية من شأنه أن يؤدي إلى نزع السلاح من المجموعات التي تدعمها إيران، إذ لن يكون أمامها ذريعة تتمسك بها من أجل النشاط واستقطاب القوى والقتال. السلام والأمن الذي تسعى إسرائيل إلى الوصول إليه يجب أن يشمل جيران إسرائيل، ومن ثم عليها مد يد الصداقة نحو العالم العربي من أجل السلام الدائم.
نتنياهو أمام لحظة تاريخية لإنهاء دوامة العنف والإرهاب والتهديد ليصبح بطلاً للسلام في الشرق الأوسط.
النظام الإيراني يمر بمرحلة تشبه تلك التي صنف فيها الرئيس الأميركي جورج بوش إيران بأنها ضمن “محور الشر” الذي ضم أيضاً العراق وكوريا الشمالية.
شهد العالم تغييرات كبيرة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) إذ دخل الساحة عدد من اللاعبين الجدد.
لا تقبل الصين وروسيا بتبني موقف الصمت حفاظاً على مصالحهما. هذا الأمر يجعل العالم أمام تحد كبير قبل بدء العام المقبل 2024. من سمات هذا التحدي الاستقطاب العالمي وتغيير موازين القوى وإيران ستكون ضمن محاور هذا الاصطفاف. وأما أداء النظام فجعل إيران في “محور الشر” مع “حماس” و”حزب الله” والميليشيات التابعة له.
نقلاً عن “اندبندنت فارسية”