سهيلة غلوم بن علي:
إن التقدم المتسارع وغير المسبوق للتكنولوجيا رافقه طفرة في صناعة أجهزة ومعدات وآلات جديدة تم تسويقها في الأسواق العالمية، ما جعل صناعة الإلكترونيات هي الأكثر نموًّا وازدهارًا في العالم، وأدى إلى ارتفاع وبمعدلات كبيرة، في عدد منتجاتها، ومع دورة استعمالها القصيرة زمنيًّا، فإن هذه الأجهزة بحكم تقادمها التكنولوجي ستتحول لا محالة إلى نفايات إلكترونية، وستلقى بدون أدنى شك بآثارها السلبية على البيئة بصفة عامة وعلى الإنسان بصفة خاصة، وفرض هذا الواقع الجديد صعوبات ومعوقات أمام كبرى الدول والحكومات التي تسعى للتخلص منها، باعتبار أنها واحدة من أهم التحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين.
إن غالبية هذه المنتجات الإلكترونية ينتهي بها المطاف في مقابر خاصة بالنفايات، ويتم إعادة تدوير أقل من عشرين في المئة فقط منها بشكل صحيح، بينما يتم إرسال الغالبية العظمى منها إما إلى مكب النفايات لطمرها، أو حرقها، مما يؤدي إلى انتشار مواد كيميائية سامة، تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية وتؤثر بشكل خطير على جودتها، وتجعلها غير صالحة للاستهلاك أو للأغراض الزراعية، وتدخل هذه السموم بالتالي في شبكة الإمدادات الغذائية البشرية، وتشكل في هذه الحالة مخاطر صحية عابرة للحدود قد تصعب السيطرة عليها، بالإضافة إلى تسببها في تلوث الهواء والاحتباس الحراري.
وهناك خطوات تتطلب جهودًا بسيطة منا كمستهلكين، تسهم إلى حدٍّ بعيد في التخفيف من مخاطر تلوث البيئة والحد من انتشار هذه النفايات السامة، وأولى هذه الخطوات تتمثل في تقنين شراء الأجهزة الحديثة إذا لم يكن هناك ضرورة فعلية لشرائها، والاستفادة من الأجهزة القديمة إذا كانت تعمل بكفاءة حتى وإن كانت لا تلبي المتطلبات التقنية.
ومن الضروري تغيير السلوك الفردي والمجتمعي ورفع الوعي بشأن الآثار السلبية للنفايات الإلكترونية، وتشجيع كل المبادرات للتخلص الآمن من النفايات الكهربائية والإلكترونية، للحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية الصحة والبيئة من أخطارها، وذلك عن طريق استخدام وسائل التثقيف المختلفة بدءًا بالمدرسة وانتهاء بوسائل الإعلام المختلفة، ومرورًا بجميع الفاعلين من حكومات ومجتمع مدني وجمعيات أهلية ومؤسسات اقتصادية.
وتقتضي الحاجة إلى اعتماد سياسات توسع نطاق مسؤولية الجميع، وخصوصًا الشركات والمؤسسات المعنية بتصنيع الأجهزة، والتي تجني أرباحًا هائلة، إلى ما بعد نقطة البيع وحتى نهاية عمر المنتج. ويتعين تفعيل قوانين وتشريعات صارمة تجاه الشركات واعتماد اشتراطات ومعايير السلامة الصحية والبيئية الصارمة، فيما يخص عمليات التصنيع من نفايات، بإلزامها بأن تكون هي المسؤولة عن تجميع نفايات منتجاتها، وإعادة تدويرها أو التخلص منها بطرق آمنة، ومطالبتها بالتوقف عن استخدام المواد الكيميائية السامة في تصنيع منتجاتها، واستخدام التكنولوجيا النظيفة أثناء مرحلة التصنيع والإنتاج، وأخرى بعد استخدام الأجهزة. والسؤال المطروح: هل التطور التكنولوجي المتسارع سيوصلنا إلى ابتكار أجهزة صديقة للبيئة غير سامة تتوافق مع متطلبات المرحلة الصحية؟
النفايات الإلكترونية.. والتحديات البيئية
التعليقات معطلة.