واشنطن – هديل عويس
أكد مسؤولون أميركيون لـ «اسوشيتد بريس» أن إسرائيل هي المسؤولة عن تفجيرات ضربت العراق الشهر
الماضي لتحدث دماراً واسعاً في مستودع أسلحة إيراني، كما لمّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسؤولية إسرائيل عن الهجوم. ويمثل الهجوم على أذرع إيران في العراق تصعيدًا كبيرًا وغير مسبوق في الحملة الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات ضد ما تعده أصولًا عسكرية إيرانية في المنطقة. وشكل التصعيد الغامض والأول ضد إيران داخل العراق والذي صمتت عنه الولايات المتحدة، جدلاً كبيراً في أوساط المسؤولين العراقيين والمراقبين للمشهد العراقي منذ الحرب الأميركية في العراق في العام 2003، التي كانت أكبر الاتهامات الموجهة للولايات المتحدة فيها هي أن إيران وبعد سقوط صدّام حسين تمكنت من الانتشار وامتلاك نفوذ واسع في البلد العربي.
د. حوارات: أميركا اكتشفت استغلال إيران للتطرف وموسكو تنتهز البندقية الإيرانية
ويقول نورمان راوول، المسؤول السابق في «CIA « لـ «الرياض» عن التصعيد الأخير في العراق أن النفوذ الإيراني في العراق بات مصدر قلق حقيقي للولايات المتحدة، فبعد استهداف الجماعات المدعومة إيرانياً في سورية، هناك واقع جديد تحاول ميليشيات إيران فرضه باستخدام العراق الذي تدعم الولايات المتحدة أمنه واستقراره وتأثيره كبلد فاعل في المجتمع الدولي عبر تخزين الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة -الدرونز- التي تنطلق من العراق لمهاجمة دول مجاورة وحليفة للولايات المتحدة. ويؤكد راوول أن الولايات المتحدة لا تتهاون مع زعزعة استقرار العراق واستهدافه حتى من قبل حلفائها، إلا أن المعادلة الجديدة التي تحاول إيران فرضها في العراق لن تمر فتكديس السلاح غير الشرعي في العراق يعني استهداف مرتقب لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وقالت وكالات عراقية إن الهجوم كان واسعاً وشديد الفاعلية إلا أنه لم يترك أي أثر أو بقايا تدل على الدولة التي قامت بالقصف، كما لم تستشعر أذرع إيران بوجود هجمة إذ من المرجح أن الهجوم تم بطائرات إف-35 الأميركية الحديثة والتي تمتلكها إسرائيل والقادرة على إحداث دمار واسع دون أن تشعر الهدف باقترابها، وهي المرة الثانية فقط التي تستخدمها إسرائيل ضد ميليشيات إيران بعد أن استخدمتها مسبقاً في هجوم واسع في سورية.
ويقول الدكتور منذر حوارات، الكتاب والمحلل السياسي لـ «الرياض» إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جعلت الولايات المتحدة تظن لبعض الوقت أن إيران ستلعب دوراً فاعلاً في خدمة الاستراتيجية الأميركية بمكافحة التطرف، لكن سرعان ما اكتشفت أميركا أن إيران تسعى لاستغلال التطرف لفرض حكم الأغلبية الطائفية في العراق وليس تثبيت نظام سياسي مستقر وفاعل وأمام التغافل الأميركي لسنوات بنت إيران نفوذها في العراق والذي جاء مترافقاً مع فرض واقع عسكري يصب في مصلحة إيران على حساب العراقيين، حتى بات التوغل الإيراني في العراق مصدر قلق شديد للولايات المتحدة لتصل واشنطن اليوم إلى بلورة رغبة جادة وحقيقية في استنفاد طاقات إيران الإقليمية من خلال سحق أذرعها اللوجستية على أرض الواقع بشتى الطرق ومختلف الدول ومنها العراق.
وجاء استهداف أذرع إيران الأخير في العراق بعد قانون عراقي جديد دخل حيز التنفيذ في الـ 31 من يوليو يتطلب من جميع الجماعات العسكرية إبلاغ القوات العراقية عن تفاصيل نشاطاتها أو القائها للسلاح الأمر الذي لم تلتزم به جماعات تابعة لإيران. حيث يقول حوارات؛ كل المعطيات تشير إلى أن الحرب بدأت على أذرع إيران في سورية ولن تنتهي في العراق وربما تطال أماكن أخرى وستكون مستدامة لحين رضوخ إيران للشروط الأميركية.
ويقول الدكتور حوارات أن إيران بحكم إحساسها الكبير بأن نظامها بذاته قد يكون عرضة للسحق من قبل الولايات المتحدة، فهي تقيس باستمرار مستوى غضب الخصم وطبيعة رده ونوعيته وفيما إذا كان سياسياً أم عسكرياً ولأجل ذلك تحاول دائماً أن تستخدم أدوات تشغل فيها خصومها بشكل يجعل الخصوم يقبلون بذلك ويحددون مستوى ردود متفقة مع تلك الاستراتيجية، لكن هذه المرة مختلفة فترمب حدد أهدافاً واضحة تماماً ويسير قدماً في تحقيقها بصرف النظر عما ستفعله إيران. مضيفاً، بدأت إدارة ترمب بالخروج من الاتفاق النووي وبالتالي ألغت المشروعية التي حصلت عليها إيران بأنها دولة على العتبة النووية ثم تبع ذلك إجراءات اقتصادية وصلت إلى قطع شريان أساسي للاقتصاد الإيراني بتصفير صادرات النفط، ثم انتقلت إلى حصار الأداة الداخلية لولاية الفقيه بمعاقبة الحرس الثوري ثم تحولت إلى أدوات الحرس الثوري من ميليشيات المنطقة بقطع التمويل عنها لخنقها. ويرى حوارات أن إيران اليوم تحاول أن تغير استراتيجية حافة الهاوية إلى الصبر الاستراتيجي لعل إدارة ترمب تخسر الانتخابات القادمة ويأتي الديمقراطيون باتفاق هيّن لكن حتى ذلك الوقت سيكون النظام الإيراني قد استنفد الكثير من أوراقه، أما إمكانية التصعيد فبدأت تتضاءل إلى مستوى ردود الأفعال.
وليس الأوروبيون فقط هم من يقفون عاجزين عن إنقاذ النظام الإيراني من التدهور المحتوم، بل الحليف الروسي أيضاً، إذ يصف حوارات السلوك الروسي مع إيران بالانتهازي والنفعي إلى أبعد الحدود، فبوتين كان مستعداً لاستغلال البندقية الإيرانية لتحقيق طموحاته والآن يسير قدماً في ذلك متجاهلاً مصالح إيران، ومبدياً استعداداً كاملاً للتضحية بها.
ويرى حوارات أن إدارة ترمب أجادت مغازلة الطموح الروسي بمكافآت هنا وهناك، ما دفع الروس إلى الارتياح لتقبل أميركا لدور روسيا الجديد ومن نتائج هذا الانسجام تمسك روسيا بمصالحها الشخصية المتناقضة مع مصالح إيران، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة استراتيجياً، لا تمانع من وجود روسيا في سورية فواشنطن لا ترى في الطموح الروسي الحالي مقدمة لعودة روسيا كإمبراطورية طاغية حيث تسود القناعة في واشنطن بأن روسيا وإن كانت تنتصر ظاهرياً خارج حدودها إلا أنها ضعيفة وآيلة للسقوط من الداخل بسبب ما يعتريها من فساد وسوء إدارة وفقر وكل هذا يجعلها تحتاج للتنسيق مع الولايات المتحدة وأخذ هذا الدور المميز الذي تغريها به إدارة ترمب في الشرق الأوسط وهو إخراج إيران وإضعاف دورها وبالتالي ستصمت روسيا وتبقى صامتة وتتفرج مهما طالت نيران الخصوم، ميليشيات حليفتها إيران سواء في سورية أو العراق أو أي مكان آخر.