د. ثامر محمود العاني مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية – أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً
استفادت أوروبا على مرّ السّنين من الهجرة الشّرعيّة لمواجهة التحدّيات الدّيموغرافيّة، إذ إنَّ لهذا النّوع من الهجرة فوائد وآثاراً إيجابيّة على الدّولة المستقبلة للمهاجرين، لكنّ الأوضاع اختلفت مع بروز الهجرة غير الشّرعيّة، فالأعداد الهائلة غير المسبوقة من طالبي اللّجوء وضعت علامات استفهام عديدة حول منافع هذا النّوع من الهجرة، إذ إنَّ تدفّق الأعداد الكبيرة من المهاجرين بصورة غير شرعيّة له تداعيات على المدى القصير على اقتصاد دول الاتّحاد الأوروبي ناتجة عن أعباء استقبال هؤلاء أو ترحيلهم، لكن في المقابل، لهذه الهجرة آثار إيجابيّة على المدى الطّويل، بخاصّة أنَّها الحلّ لمشكلة الشيخوخة التي تشكّل إحدى المشكلات الدّيموغرافيّة التي تعانيها أوروبا، وتؤدّي إلى انخفاض هائل في اليد العاملة، إذ ترتّب الهجرة غير الشّرعيّة أعباء على الماليّة العامّة، إضافة إلى أنَّها تؤدّي إلى إدخال أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أسواق العمل خلال فترة زمنيّة قصيرة، ما دفع بالاتّحاد الأوروبي إلى تخصيص اعتمادات ماليّة بهدف السّيطرة على تدفُّق المهاجرين.
تضيف الهجرة غير الشّرعيّة على المدى القصير ضغوطات على اقتصاد بعض الدول الأوروبيّة، فهي ترتّب أعباء على الماليّة العامّة نتيجة تكاليف استقبال وإيواء أو ترحيل المهاجرين، إنَّما هذه التكاليف تُعتَبَر ضئيلة نسبة لحجم اقتصاد الاتّحاد الأوروبي واقتصاد الدُوَل التي تستقبلهم، أمّا على صعيد سوق العمل، فتأثير الهجرة على الدُوَل المستَقبِلة للمهاجرين محدود، باستثناء البعض منها الّذي يعاني أصلاً ارتفاعاً في معدّل البطالة.
تختلف الأرقام، حسب الدراسات، حول تكلفة تدفّق المهاجرين غير الشّرعيين على الماليّة العامّة، إنمّا هذه الدراسات تَتَّفق على أنَّ هذه التكلفة هي ضئيلة نسبة لحجم اقتصاد الدول التي تستقبِلهم، إذ تَشمَل الكلفة المصاريف الأوَّليّة لتأمين الاحتياجات الإنسانيّة لطالبي اللّجوء، والمصاريف اللّاحقة المترتّبة جرّاء دمجهم في سوق العمل أو إعادة المرفوضين منهم إلى بلادهم.
إن تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية كظاهرة يعود إلى الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة والخطيرة التي عرفتها مناطق كبرى من دول العالم الثالث، وتعد منطقة الشرق الأوسط باستثناء دول الخليج العربي مرتعاً مهماً لاستفحال هذه الظاهرة، خصوصاً لما ظهر من نتائجها السلبية في ميدان التنمية شكالها، فإشكالية الهجرة والتنمية هي من أولويات السياسات التنموية، خصوصاً أن هناك تبايناً واضحاً في وتيرة التنمية بين الدول، وهي الوضعية التي تقف وراءها مجموعة من السياسات ومشروعات التعاون من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية تكفل الحّد من أسباب الهجرة غير الشرعية في المنطقة.
إن تنامي الهجرة غير الشرعية يرجع إلى مجموعة من الأسباب والعوامل الدافعة إلى هجرة الوطن، وترتبط لأساس بمشكلة التنمية والتهميش والهدر الذي يعيشه، فالدراسات والتقارير الدولية، التي تشير إلى تراجع لنسب النمو والتنمية نحو الدول الصناعية. إذ إن هناك تبايناً واضحاً في وتيرة التنمية بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط، ويعد هذا التباين نتيجة لتذبذب وتيرة التنمية التي لا تزال اقتصاداا هشة تعرف العديد من المصاعب.
وأصبحت العلاقة بين الهجرة والتنمية قضية مركزية في إشكالية الهجرة، وتتسم العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية بالتعقيد، نظراً لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية من جهة، وتمس من جهة أخرى أطرافاً أخرى بمؤثرات عديدة داخل البلدان الأصلية للمغتربين وبلدان العبور وبلدان المهجر، على حد سواء. وتشكل التحويلات المالية للمهاجرين ونقل التكنولوجيا من الجسور القوية التي تربط الهجرة والتنمية، حيث تساهم هذه التحويلات في عملية التنمية والتعجيل ا إذا ما يأت بعض الظروف المواتية على صعيد البلدان الأصلية وبلدان المهجر، وينجم عن العلاقة بين الهجرة والتنمية، آر سلبية على مناطق النزوح على نحو يزيد من حدة عدم التوازن بين المناطق الريفية والحضرية، وفقدان ذوي الكفاءات.
في الختام، فإن ظاهرة الهجرة الشرعية تعود إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ودوافع أخرى، لكن تنامي هذه الظاهرة وزيادة وتيرا يرجع إلى العوامل ذات الطابع الاقتصادي لأساس، خصوصاً ارتباط الظاهرة شكالية التنمية الاقتصادية، التي تتضح جلياً في التباين الصارخ في المستوى الاقتصادي بين دول المنطقة والدول الأوروبية المستقبلة، وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور، وعليه يجب ألا نتوهم أنه من الممكن معالجة إشكالية الهجرة للجوء إلى الوسائل الأمنية فقط، بل إن الأمر يتطلب الربط بين الهجرة والتنمية على المستوى الوطني بين جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط، وهكذا تبقى الظاهرة مستمرة طالما هناك تباين كبير بين الدول المتقدمة والدول النامية، خصوصاً الفقيرة منها، إذ لا توجد نية حقيقية لدى الدول المتقدمة، للسعي من أجل العمل على مساعدة تلك الدول على إحداث تنمية حقيقية لرفع المستوى المعيشي لشعوا.