ربما أدى التوغل الجريء على منطقة كورسك الروسية إلى رفع آمال كييف لكن هناك فرقاً كبيراً بين التغلب على قوات سيئة التدريب والقدرة على إبقاء السيطرة على الأراضي المحتلة
مارك غاليوتي
جنود أوكرانيون يستخدمون دبابة من طراز “تي-72” سوفياتية الصنع في منطقة سومي قرب الحدود مع روسيا (أ ف ب/غيتي)
ملخص
بدأ الهجوم الأوكراني على كورسك باعتباره نجاحاً كبيراً، مما رفع الروح المعنوية داخلياً وتحدى التوقعات الغربية بأن الصراع قد يصل إلى طريق مسدود. ومع ذلك، بدأت تظهر تساؤلات حول حكمة استمرار الاحتلال الأوكراني لتلك المنطقة على المدى الطويل، وبخاصة مع بقاء القوات الروسية المتمرسة في جبهة دونباس
لقد استولت أوكرانيا على أكثر من 300 ميل مربع (أكثر من 1000 كيلومتر مربع) من منطقة كورسك في الشهر الأول من غزوها المضاد لروسيا، مما رفع الروح المعنوية في الداخل وتحدى الاعتقاد المتزايد في الغرب بأن الجمود هو أفضل ما يمكن أن تأمله كييف. ومع ذلك، مع تحول الغزو الجريء إلى احتلال لا نهاية له، تتزايد الشكوك حول حكمته على المدى الطويل.
عندما عبرت القوات الأوكرانية الحدود الروسية في السادس من أغسطس (آب) الماضي، كانت كييف متحفظة حول أهدافها، سواء لإبقاء موسكو في حيرة أو لأنها لم تكن ترغب في تعريض نفسها للفشل. كانت بحاجة إلى تقديم نصر للجمهور الأجنبي والمحلي على حد سواء. ولكن منذ ذلك الحين، يبدو أن الأهداف قد تغيرت وظهرت خلافات بين القيادة العسكرية والسياسية.
لقد سلط الجنرال أولكسندر سيرسكي، القائد العسكري الذي يقف وراء هذه العملية الجريئة، الضوء إلى حد كبير على الحاجة إلى تخفيف الضغط عن جبهة دونباس المحاصرة، حيث تواصل القوات الروسية التقدم.
اقرأ المزيد
بوتين: دفعنا القوات الأوكرانية إلى التراجع من كورسك وهدفنا دونباس
غيوم الحرب المباشرة بين روسيا والـ”ناتو” تتجمع في كورسك
ما هدف أوكرانيا الحقيقي من خلال عملية قضم الأراضي في كورسك؟
أي مكاسب لأوكرانيا بعد دخول كورسك؟
لكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يتحدث بصورة متزايدة عن الحفاظ على منطقة عازلة ووسيلة مساومة محتملة للمفاوضات المستقبلية. وفي حديثه إلى قناة تلفزيونية أميركية الثلاثاء الماضي، قال “في الوقت الحالي، نحن بحاجة إليها”، وأن هذه الأرض يمكن الاحتفاظ بها “إلى أجل غير مسمى” لأنها جزء من “خطة النصر” التي لم يتم الكشف عنها بعد.
ومع ذلك، هناك فرق كبير بين سحق قوات الدفاع المجندة المتناثرة والمدربة تدريباً سيئاً من جهة، واستخدام قدرة الأوكرانيين على المناورة والتحرك للاستيلاء على جزء من منطقة حدودية غير محمية بصورة كافية والاحتفاظ بها، من الجهة الأخرى.
وفي الواقع أن الروس يتمتعون بميزة القوة النارية ولكنهم يفتقرون إلى القدرة على توجيهها بسرعة نحو الوحدات الصغيرة من المهاجمين سريعي الحركة. وبمجرد أن ينتقل الأوكرانيون إلى الدفاع، ويعززون قواتهم في مواقع دفاعية ثابتة، فسوف يصبحون هدفاً أسهل للمدفعية الروسية والقنابل الانزلاقية.
حتى الآن، لم ينجر فلاديمير بوتين إلى الفخ ولم يقم بنقل القوات المتمرسة من جبهة دونباس. بل على العكس تسارعت وتيرة تقدم القوات الروسية فيما تراجع الأوكرانيون المنهكون، الذين نقلت قواتهم الاحتياطية بدلاً من ذلك إلى كورسك، إلى الخلف نحو أهداف حاسمة مثل تقاطع السكك الحديد الإستراتيجي في بوكروفسك، الذي يبعد الآن ستة أميال فقط (10 كيلومترات) عن خط المواجهة.
لقد أجرى بوتين حساباً خالياً من العواطف مفاده أنه على قوة صغيرة من المجندين والاحتياطيين أن تحاول للوقت الحالي احتواء توغل كورسك، لأن الحفاظ على الزخم في دونباس أكثر أهمية.
والسؤال هو ما إذا كان زيلينسكي يخاطر بالمبالغة في تقدير قدراته. المثال التحذيري هو مدينة باخموت، التي دارت حولها أكثر المعارك دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. في الأصل، كانت كييف تعتزم الاحتفاظ بالمدينة في وجه التقدم الروسي فقط طالما كان ذلك منطقياً لمحاولة إبطاء تقدم الغزاة واستنزاف بعض أفضل قواتهم الهجومية. ثم كان من المخطط تنفيذ انسحاب منظم.
تبعات ضربة أوكرانية على كورسك أغسطس الماضي (أ ف ب/غيتي)
تبعات ضربة أوكرانية على كورسك أغسطس الماضي (أ ف ب/غيتي)
ولكن بدلاً من ذلك، أصبحت المعركة بمثابة صراع انتقامي إذ أصبح كلا الجانبين مهووساً بمدينة غير ذات أهمية إستراتيجية. وسقطت أخيراً في مايو/أيار 2023، بعد 10 أشهر ونصف الشهر من القتال الوحشي الذي ترك المدينة في حال خراب.
وتكبد الروس أكثر من 100 ألف قتيل أو جريح، ولكن ما لا يقل عن 20 ألفاً منهم كانوا من المدانين السابقين الذين جندهم جيش المرتزقة “فاغنر”. وعلى النقيض من ذلك، شملت خسائر أوكرانيا التي تراوحت ما بين 25 ألفاً و40 ألفاً عدداً من أفضل قواتها.
وفي الوقت نفسه، تواصل موسكو وبطرق انتقامية قصف المدن الأوكرانية حتى أقصى غرب البلاد مثل لفيف، وتستهدف شبكة الكهرباء في البلاد مع اقتراب فصل الشتاء، وفقاً لخطتها عديمة الرحمة.
وفي تغيير للأخبار اليومية، لدى موسكو بعض الأخبار الجيدة إذ تفاخرت وجوه الدعاية الروسية بأن بوتين كان قادراً على زيارة منغوليا من دون عقاب. إن البلاد عضو في المحكمة الجنائية الدولية، ولكن على رغم وجود مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب في حق بوتين، فإن المنغوليين لم يحاولوا احتجازه، نظراً إلى اعتمادهم على الطاقة الروسية وموقف جارتهم الأخرى، الصين.
في كل الأحوال، بينما يشعر عدد من الروس بالغضب تجاه بوتين لفشله في حماية كورسك (حتى أن بعض الموالين يجرؤون على انتقادات عامة حذرة)، فإنهم يشعرون بأن الوقت ليس مناسباً لإثارة الاضطرابات أثناء غزو أجنبي.
على العكس من ذلك، بدأ زيلينسكي يواجه رد فعل عنيف من أولئك الذين يشعرون بأن الدفاع عن الأراضي الأوكرانية أكثر أهمية من الاستيلاء على الأراضي الروسية. وهو يشرع حالياً بأكبر تعديل حكومي له منذ بداية الحرب، ويعتمد الكثير الآن على كيفية استجابة الأوكرانيين لفريقه الجديد، وما الذي سيستنتجه الحلفاء الغربيون من “خطة النصر” التي وضعها.
وكما تساءل أحد الدبلوماسيين البريطانيين، “هل ستكون [هذه الخطة] أكثر أهمية من خطته للسلام المكونة من 10 نقاط، التي لم تكن أكثر من مجرد بيان سياسي؟”
بدأ هجوم كورسك باعتباره نجاحاً باهراً. والخوف في كييف والغرب هو أن هناك الوقت الكافي لكي يتحول الانتصار إلى مأساة. ومع ذلك، حذر الدبلوماسي البريطاني من التشاؤم المبكر “مرات عدة، فاجأنا الأوكرانيون بنتائج أفضل مما كنا نتوقع”.