مقالات

الهند الجديدة ومودي الرابع عشر

 
د.وائل عوّاد
ارتبطت شهرة الهند في العالم العربي من خلال الأفلام السينمائية والحرير والتوابل التي اطلق عليها العرب اسم بهارات وهي في الواقع الاسم الحقيقي للهند ولكن تيمنا” بقدومها من الهند ولما تربطها علاقات طيبة وحميمة مع العالم العربي سميت بالهند ،الاسم المتعارف الذي اطلقه العرب على أطفالهم وهي دليل على المودة والتآخي والتقارب الحضاري .
سياسيا” ،ومنذ استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني ،حكم حزب المؤتمر الوطني البلاد لاكثر من نصف قرن وكان لسلالة غاندي النصيب الأكبر في تاريخ الهند الحديث حيث تراس جواهر لال نهرو رئاسة الوزراء وابنته انديرا غاندي وبعدها ابنها راجيف .
مع اختتام الالفية الثانية تسلم حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي زعامة البلاد وكان اتال بيهاري فاجبايي رئيس الوزراء الوجه المعتدل للحزب لنزاهته وسمعته الجيدة .
لكن الهند الجديدة بدأت تبرز معالمها مع تسلم ناريندرا مودي رئاسة الوزراء ، الرابع عشر منذ الاستقلال ،والتي شكلت منعطفا” جديدا” في تاريخ الهند السياسي حيث حقق شعبية داخلية عارمة واستطاع التواصل مع الفقراء وأبناء الطبقات الفقيرة التي تشكل الغلبية العظمى من شرائح المجتمع الهندي .كان حريصا” على مخاطبة العامة والقاء الخطب في كل مناسبة وخلال الحملات الانتخابية للمجالس المحلية واتبع طريقة مميزة في التواصل ولغة الخطاب الجماهيري بالتوازي مع الدعم الذي تلقاه من قادة المنظمات الهندوسية الام وكوادرها في معظم أرجاء شبه القارة .ناريندرا مودي يستخدم حسابه على التويتر ،ولديه اتباع بالملايين ، ليغرد ينتقد ويسخر من المعارضة ويحمّلها مسؤولية التدهور الاقتصادي والاجتماعي وسرقة أموال الدولة ،ويفتخر ويمّجد تاريخ الهند القديم ، ويعد المواطن بتحسين احواله المعيشية والاقتصادية وإن لم يتحقق بعد شيئا” من هذه الوعود إلا انه اصبح الوجه المألوف في جميع المحافل والمناسبات وعلى الساحة الهندية وفاقت شعبيته زعيمة حزب المؤتمر انديرا غاندي . ومن كلماته الشهيرة: “هناك الكثير من المشاكل التي تواجهها بلدنا ولكن لدينا أيضا 1.25 مليار شخص لحل هذه المشاكل “.
مع طرح الميزانية العامة للبلاد والتي تميل إلى مصلحة الفلاحين وصغار الكسبة ، يحاول رئيس الوزراء كسب ابناء الطبقات الفقيرة للفوز بدورة انتخابية مقبلة العام المقبل لخمس سنوات قادمة على الرغم من ان وعوده للناخبين لم تحقق شيئا” مثمرا” بعد إلغاء بعض الفئات الورقية للعملة الهندية وطرح النظام الضريبي ، ناهيك عن ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والتضخم والنعرات الطائفية ، الامر الذي بدا يسبب انخفاضا” في شعبيته وسط العامة.
خطة مودي ربما الاعلان عن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة للحفاظ على الأغلبية في البرلمان وهذا يتوجب الحصول على اصوات الأقليات خصوصا” المسلمة التي كانت تلعب دورا” حيويا” في مسيرة الانتخابات والاصوات لصالح من يدعم مطالبهم ونادرا” ما نفذت .
وسعى الحزب الحاكم إلى التودد للاقلية المسلمة وتبني بعض القضايا المثيرة للجدل خاصة” الطلاق التعسفي عند المسلمين والمسائل المتعلقة بمسائل الحج وغيرها.هذه الخطوات لاقت استحسانا” وسط الهنود المسلمين خصوصا” المراة على الرغم من المخاوف والهواجس من سياسة الحزب في هندكة الهند والتدخل في الشؤون الداخلية وإثارة النعرات الطائفية. على أية حال فقد فضّل الهنود المسلمين الانسحاب للوراء والابتعاد عن المواجهة وترك الساحة الحزب وانصاره والصراع مع أبناء الطبقات المنحدرة .
مودي الرحالة
بدأ رئيس الوزراء الرابع عشر ناريندرا مودي ،يترك بصماته في معظم المسائل والقضايا الداخلية والخارجية ، وفرض اسلوبه في القيادة وإدارة شؤون البلاد وحصل على طاعة طاقمه الوزراي ومباركة المنظمات الهندوسية الأم وقادة الحزب ،الامر الذي دفع بالعديد من الخبراء والمراقبين لمراقبة التغيرات على الساحة الهندية وتوجهات سياستها الخارجية في ظل التحالفات الجديدة والاقتراب الحذر من المعسكر الامريكي –الغربي -الاسرائيلي
خارجيا” ، أصبح يعرف برئيس الوزراء الرحالة وأنه أصبح أكثر شعبية خارج الهند اكثر من الداخل بسبب كثرة الاسفار في جميع ارجاء المعمورة .ويسعى جاهدا” لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للهند الذي يقدر بحوالي 100 مليار دولار امريكي .وفي أحدى كلماته قال:” ليس هناك ما يدعو إلى خيبة الأمل. سوف تتقدم الهند بسرعة كبيرة ومهارات شبابنا سوف تأخذ الهند قدما”.
الجولة العربية :القضايا الساخنة معلقة يا مولانا القاضي
تأثرت العلاقات العربية الهندية بحضارة الشعبين والتبادل التجاري والثقافي على مدى قرون وكان النضال واحد ضد الاستعمار الغربي والابتعاد عن التحالفات ومناصرة قضايا النضال والتحرر في العالم وتطابقت المواقف الداعمة لبعضهما البعض في المحافل الدولية وحركة دول عدم الانحياز…
التقلبات في السياسة العالمية المستندة على القوة العسكرية بدأت تفرز تحالفات جديدة في محاولة لاعادة رسم هيكلة النظام العالمي الجديد والهند بدورها بدأت تبحث عن موقعها الجديد على الساحتين الاقليمية والعالمية وبالتالي دخلت مرحلة البراغماتية في السياسة الخارجية والابتعاد عن الادانات والبيانات الخطابية لايجاد توازن في العلاقات الهندية مع العرب من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية . وتباينت المواقف وردود الفعل حول العديد من القضايا خصوصا” الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية .
تاتي زيارة رئيس الوزراء إلى كل من فلسطين المحتلة والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان لتصب في اطار تعزيز العلاقات العربية الهندية . وزير خارجية الهند السيدة سوشما سواراج تزور الرياض تشارك في احتفالات الجنادرية على صوت قرقعة السيوف ويجرى التحضير للزيارة المرتقبة للملك السعودي للهند هذا العام . كما من المتوقع أن يزور الملك الاردني الهند قريبا” وغيرها من زيارات الزعماء العرب المتبادلة .
زيارة رام الله ، عبر الأردن – ترانزيت،ولقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس هي رمزية وتشكل دعما” سياسيا” للقضية الفلسطينية بعد زيارة تاريخية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى إسرائيل الاولى من نوعها دون زيارة الجانب الفلسطيني والتي لحقتها زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للهند والشعبية والتغطية الاعلامية والسياسية التي حظيت بها هذه الزيارة ، باعتبار أنه الزعيم الاسرائيلي القوي والذي يضرب بحديد من يعتدي على الإسرائيليين ، و بدا للبعض من اصدقاء اسرائيل في الهند بأن فلسطين تحتل اسرائيل وان نتنياهو يمنح الفلسطينيين “أراض اسرائيلية” مقابل السلام مع الفلسطينيين ولكنهم لايرغبون بالسلام مع اسرائيل “اليمامة “.
مسؤول في وزارة الخارجية الهندية أكد ان موقف الهند دائم وثابت تجاه القضية الفلسطينية وان نيودلهي” تساهم في بناء الدولة الفلسطينية من خلال الدعم الاقتصادي والتكنولوجي والتعليمي للشعب الفلسطيني .” إذا القضايا المثيرة للجدل معلقة والمرحلة الحالية تتطلب من نيودلهي ان تكون حريصة على علاقات متينة مع تل أبيب لا تسودها شوائب .
منحت دولة الإمارات العربية المتحدة ،الهند مناطق استراتيجية لتخزين النفط وتعزيز التعاون الامني والعسكري مع الهند في ظل الفراغ الامني الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة بسبب تركيزها على عسكرة آسيا باسيفيك وتحجيم دور التنين الصيني المتنامي .
وبدورها سلطنة عمان التي تربطها علاقات متينة مع الهند تسعى لتحسينها مع الحكومة الهندية الجديدة وتوسيع آفاقها لتشمل العديد من القطاعات بما فيها العسكرية والأمنية الاستراتيجية باعتبار أن للسلطنة موعا” جيوسياسي هام وضمن مجموعة دول المحيط الهندي .
حافظت نيودلهي على توازن في العلاقات مع الدول الخليجية والعربية بعيدا” عن النزاعات والحروب المفتعلة والتحالفات وتحاول التقارب مع دول المنطقة لحماية مصالحها القومية ومصادر طاقتها الحيوية وجاليتها الضخمة التي تقطن في دول الخليج والتي تقدر بحوالي 9 مليون نسمة .إذا” التعاون سيقتصر على ملفات دافئة مثل التواصل الاجتماعي والمعلوماتي ،التعايش السلمي والتحابب والتسامح واليوغا وحرية العبادة والتضامن والتقارب وما شابه .
وفي سؤال للمسؤول الهندي حول التوتر الأمني في الخليج والتحالف السعودي الامريكي على اليمن وتضارب مواقف الدول الخليجية تجاه الحرب الجائرة على اليمن مما يهدد المصالح الهندية وهل سيبحث رئيس الوزراء هذه المسائل مع الدول التي سيزورها؟ أجاب: “سؤالك خارج إطار الزيارة ولا يمكنني الاجابة عنه “!