مقالات

الهند اليمين يكتسح والعلمانية تتراجع

 
د. وائل عواد
لم يكن أحد يتوقع فوز حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي في الانتخابات البرلمانية العامة عام 2014 على حساب حزب المؤتمر الوطني الذي حكم الهند لأكثر من نصف قرن منذ الاستقلال .حقق الحزب الأغلبية العظمى تحت قيادة زعيمه ناريندرا مودي الذي نجح في كسب شعبية عارمة للحزب في معظم أرجاء شبه القارة .وعلى الرغم من عدم تحقيق انجازات ملحوظة منذ تسلم الحزب السلطة وقرب موعد الانتخابات البرلمانية العام المقبل ،إلا أن الحزب ماض في اكتساح الانتخابات التشريعية في معظم الولايات الهندية على حساب غريمه الرئيسيين حزب المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الماركسي .
نظرة على الخارطة التي نشرتها انديا توداي ، تعطيك الصورة للواقع السياسي في الهند وسيطرة الأحزاب السياسية على الحكم في الولايات من عام 2014 إلى العام الحالي بعد فوز حزب بهاراتيا جاناتا وحلفائه بالانتخابات التشريعية في ثلاث ولايات الشمالية الشرقية من بين الأخوات السبع . في ولايتي تريبورا و ناغالاند فاز الحزب وحلفائه المحليين في ميغالايا احتمالات تشكيل حكومة ائتلافية ليصبح اللون البرتقالي السائد في معظم أرجاء شبه القارة ،ما عدا ولايتي كارناتكا وكيرالا الجنوبيتين.
هذا اللون بلون الزعفران المميز للحزب المعروف بـ زعمائه الهندوس الذين يرتدون هذا اللون، كما هي الحال بالنسبة للبوذيين و طائفة السيخ .
وأصبح حزب بهاراتيا يحكم في 20 ولاية مقابل 7 عام 2014 بينما تقلص حكم حزب المؤتمر الوطني إلى ثلاث ولايات من 13 ولاية عام 2014
الانتصار الكبير كان للحزب في ولاية تريبورا الشمالية الشرقية والتي كانت تخضع لحكم الشيوعيين منذ 25 عاما” وانتقل الحكم من اقصى اليسار إلى أقصى اليمين .
هندكة الهند
حقق حزب المؤتمر الانتصارات في الانتخابات البرلمانية في حقبة الخمسينات والستينات والسبعينات والسبب انتشار الفكر الوطني ومحاربة الامبريالية ومناصرة الحرية .الآن عاد حزب بهارتيا جاناتا وسيطر على عقول الشباب من خلال طرح الوطنية شعارا” لتعزيز قدرات الهند وبناء دولة عظمى قادرة على دحر اعدائها الداخليين وجيرانها ووعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي الشعب الهندي بالتنمية والتطوير وتحسين مستوى الحياة المعيشية لأبناء الطبقات الفقيرة التي تشكل الشريحة العظمى من المجتمع الهندي .
العوامل التي أدت إلى نجاح الحزب في كسب الشعبية
1-العامل الديني
اتبع الحزب سياسة هندكة الهند واللعب بالعامل الديني الذي أدى إلى اكتساح الحزب الساحة السياسية بعد اللعب بالورقة الطائفية والحملة التي شنها كوادر الحزب والمنظمات الهندوسية الأم في تدمير مسجد بابري في مدينة ايودها في ولاية أتر براديش وسط البلاد،في السادس من ديسمبر عام 1992، على أنه بني على أنقاض معبد هندوسي مسقط رأس الإله رام عند الهندوس .ومن يومها اكتسح الحزب المعترك السياسي في البلاد وبدأت بمحاباة الاغلبية من الهندوس .ونجحت المنظمات الهندوسية الأم في تعزيز شعبية الحزب في المناطق القبلية وليس فقط في الحزام الشمالي الهندوسي .وساهمت شخصية ناريندرا مودي في كسب ثقة الشعب بزعيم نزيه متفان في خدمة شعبه واستغلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير حتى أصبحت الهند الان مقترنة باسم مودي محليا” وعالميا” بعد أن كان الزعيم الروحاني المهاتما غاندي الأكثر شهرة .
2- العامل الاقتصادي والاجتماعي
لا شك بأن هذه القضية من العوامل الرئيسية إلى ميول الناخبين لصالح الحزب الحاكم في المركز على الرغم من عدم إيفاء الحزب بوعوده الانتخابية بعد بنظر العديد من المراقبين .ولكن مع قرب الانتخابات البرلمانية العامة العام المقبل فإن الحزب بدأ يميل أكثر نحو التعاطف مع الفقراء والكادحين ولم يتوانى رئيس الوزراء بالحديث في اي من خطاباته وحملاته الانتخابية بالحديث عن التنمية ثم التنمية ثم التنمية .
3- العامل السياسي وانقسام المعارضة
استفاد الحزب الحكام من الانقسامات داخل صفوف المعارضة الهندية وانحسار شعبية حزب المؤتمر واستغل هذه الظاهرة بشكل جيد ليزيد من تباعد الشارع الهندي مع حزب المؤتمر من خلال الاستهزاء بشخصية زعيم الحزب راهول غاندي والتشكيك بقدرته في قيادة البلاد في الوقت الذي فتحت فيه الحكومة ملف الفساد والرشاوى وسوء الادارة من قبل كوادر الحزب المر الذي سبب نكسة لدى الناخب الهندي وفضل التصويت لحزب بهارتيا جاناتا على الرغم من التخوف من سياسته اليمينية المتشددة .
ونجح قادة الحزب الهندوسي باستمالة القادة المحليين في الولايات الهندية لصالحه والابتعاد عن أجندته المتشددة ووعدهم بالتنمية والتطور وحسن الإدارة .
كان لذلك أثرا” كبيرا” حتى في هذه الولايات الشمالية الشرقية ذات الاغلبية المسيحية ،التي تنشط فيها البعثات التبشيرية المسيحية، المعروفة بميولها للانفصال عن الهند وعدائها للمهاجرين المسلمين من بنغلادش في تلك الولايات المجاورة واللعب بشعار التغيير الديمغرافي لسكان الولايات من القبائل .وبالفعل بدأت المنظمات الهندوسية بنشر اللغة الهندية والتقرب من الأهالي السكان الأصليين وكسب اصوات الشبان العاطلين عن العمل وتعزيز الشعور الوطني والحماس والانتماء للهند وتبديد مشاعر العزلة التي كانت سائدة من قبل .
المثير للجدل، وهنا بيت القصيد، ان الحزب الذي يحارب ويمنع اكل لحوم البقر باعتبار أن البقرة مقدسة عند الهندوس، تغاضى عن ذلك هنا إذ أن الاغلبية المسيحية من السكان يتناولون لحوم البقر في الولايات الشمالية الشرقية !
انعكاسات النتائج على الانتخابات البرلمانية العامةالمقبلة
لابد من الإشارة هنا إلى ظاهرة جديدة في عالم السياسة تستحق الدراسة والتفحص وهي ميول الناخبين للتصويت لصالح زعماء دون خلفية سياسية أو مثيرة للجدل يتحكمون بالقرار السياسي بغض النظر عن شخصيته المثيرة للجدل او انتمائه السياسي او تطرفه وميوله الشخصية.ويعزو البعض ذلك في المجتمعات الديمقراطية ، الحالة السيكولوجية والعامل الاقتصادي أكثر من الانتماء الايديولوجي التي آلت إليه الأمور .وهذا ينطبق في جميع دول العالم حيث ظهر قادة بعيدون عن السياسة دون إطلاق نار أو انقلاب عسكري دموي وتدمير الاملاك العامة والخاصة في ثوراتنا العربية التخريفية .لقد تغير الظروف والمفهوم السياسي للحكم الشعبي . قبل بهم الناخب وفازوا وبدأوا يتحكمون بسلطة بلادهم والبعض منهم بسياسة العالم . لقد بدأت مرحلة خصخصة السياسة والحكومة وتحويلها إلى قطاع استهلاكي بحت والابتعاد عن الفكر الأيديولوجي والعلماني والميل أكثر نحو الفوضى والتفاهة في نظام سياسي جديد غير مدّون بعد .وحال المثقفين يقول :” إذا كان الجهل سائدا”،فمن الحماقة ان تكون عاقلا” .
بالعودة لشبه القارة ،
نجاح الحزب التاريخي في هذه الانتخابات التشريعية المحلية ، سوف تزيد من شعبيته في معظم أرجاء الهند وستدفع بقادة الحزب والمنظمات الهندوسية الأم للسيطرة على الحكم المركزي والفوز بالانتخابات البرلمانية العام المقبل باي ثمن كان ، وسط انقسام في صفوف المعارضة . وهذا سوف يوفر لقادة الحزب النشطاء الفرصة الذهبية في تحقيق طموحاته وسياسته .وقد يدفع حتى بالأقلية المسلمة للتصويت لصالح الحزب على الرغم من العداء لسياسته المتشددة تجاههم.
ويبقى أن نذّكر أن شخصية رئيس الوزراء وحضوره على الساحة الهندية ، لأكثر من ثلاثة عقود، سوف يزيد من فرص الفوز على الرغم من الانتقادات التي يتعرض لها وعدم تنفيذ الوعود الانتخابية .
ومما لا شك فيه فإن المتشددين ،النخبة الدينية ، داخل الحزب سوف يصّعدون من أجندتهم كي يتحول الدين إلى اداة بيد السلطة ،التي قد تعرقل جهود رئيس الوزراء ناريندرا مودي في كسب الاستثمارات الاجنبية المباشرة، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتحديث الترسانة العسكرية للهند والنمو الاقتصادي وتنفيذ المشاريع التنموية.
ويبقى أن نذكّرقادة الأحزاب العلمانية والاشتراكية المصابين بالشلل النصفي ، ان العمل بالشعارات فقط دون التنفيذ لم تعد تجد نفعا” ولمواجهة التيار اليميني الكاسح يترتب إعادة النظر بالأولويات والاجندات الشعبية والعودة للجذور والشفافية ,ووضع مصلحة الشعب فوق المصالح والمنافع الشخصية، قبل الاصابة بالشلل الكامل والتحول إلى هوامش في عالم سياسي متقلب.
وهذا الكلام معمم وللحديث تتمة …..