مقالات

الهند.. عندما تنجح اسرائيل على حساب فشل العرب

 
د. وائل عواد
بعد اول زيارة لرئيس وزراء اسرائيلي ،أرييل شارون، للهند عام 2003 ، اتصل بي أحد المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الهندية واراد أن يستفسر مني سبب سخط السفراء العرب الحفاوة التي استقبل بها رئيس الوزراء أرييل شارون والتغطية الاعلامية الكثيفة بينما زار قادة عرب كبار ولم تهتم بهم الصحافة الهندية مضاهاة بتلك الزيارة .وكعادتي في مثل هذه المناسبات تعلمت الدبلوماسية واحاول إيجاد أسباب منطقية لاقناع المسؤولين الهنود ان غيرة السفراء العرب تأتي من حرصهم على الروابط التاريخية بين الهند والعالم العربي.
الحديث طال بعض الوقت لكن ما أثار اهتمامي صراحته بان وزارة الخارجية تعامل الجميع بالمثل واهتمام الاعلام الهندي ليس من طرف الوزارة وإنما من قبل السفارة الاسرائيلية التي عززت صداقتها مع الاعلام الهندي وجندته لخدمة مصالحها وتقريب وجهات النظر بين نيودلهي وتل ابيب !
هذا الجواب دفع فضولي للبحث والتعرف أكثر على طريقة تجنيد الاعلام والراي العام لصالح قضية يرغب طرف ما في الترويج لها وكسب التأييد .لقد استطاعت اسرائيل على مدى قرن تقريبا” من تحقيق النصر اعلاميا” وبالتوازي عسكريا” على جيوشنا الجياشة واحتلت اراض عربية اخرى بالاضافة إلى اغتصاب وقضم ما تبقى من فلسطين… وهاهي الان تسعى إلى تهويدها وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة على ارضه .
عندما تم التوقيع على اتفاقية أوسلو ، سارعت تل ابيب لمطالبة الهند بتطبيع العلاقات معها ودعي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي لم يمانع ذلك بل شجع على التطبيع باعتبار الهند دولة ذات سيادة وتدعم القضية الفلسطينية وأن الدولة الفلسطينية قادمة …
في تلك الفترة ايضا” انتهجت الهند سياسة الانفتاح الاقتصادي مما فسح المجال امام العديد من الشركات الأمريكية والغربية لدخول الاسواق الهندية .وسارعت اسرائيل للدخول إلى السوق الهندية ومنذ حينه والعلاقات الهندية الاسرائيلية تتنامى في المجالات كافة .انتهزت تل ابيب الفرصة لحاجتها الماسة إلى سوق ضخم مثل الهند لبيعه السلاح والعتاد والتكنلوجيا واجراء تجارب عسكرية صاروخية مشتركة لضيق المساحة لديها لمثل هذه التجارب .
وسارعت تل ابيب بفتح الخط الملاحي مؤقتا” بين نيودلهي وتل أبيب ،بين البلدين وبدأت تحضّر لزيارة اسرائيل وسط الأكاديميين والعسكريين والصحفيين وأبناء البيروقراطيين والعديد من الفعاليات الأخرى حيث استطاعت أن تصنع لوبي قوي لها داخل صناع القرار في شبه القارة وشكلت جمعيات ومنظمات أصدقاء اسرائيل في العديد من المدن الهندية الذين يدافعون عن مواقفها باعتبار أن العدو هو الاسلام والمسلمين الذين خذلوا الهند في حربها ضد باكستان بينما ساندتهم إسرائيل عند الحاجة ووفرت السلاح والعتاد الذي تحتاجه الهند خصوصا” في حرب كارغيل في إقليم كشمير .كل ذلك في الوقت الذي كانت الدول الاسلامية تساند باكستان في منظمة الدول الإسلامية وغيرها من المحافل العربية والدولية في صراعها مع الهند حول إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه .
الآن وبعد ربع قرن على التطبيع بين البلدين يزور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو شبه القارة وبرفقته فريق كبير من رجال الأعمال لتعزيز هذه العلاقات الثنائية في المجالات كافة .الاهتمام الاعلامي والسياسي سبق رالزيارة التي تبدا اليوم الرابع عشر من كانون الثاني /يناير وحتى الثامن عشر من الشهر الجاري . وسائل الاعلام الاسرائيلية شكلت استديهوات متنقلة لنقل وقائع الزيارة واستضافة الاصدقاء والباحثين والمهتمين بالعلاقات بين البلدين .هذه الزيارة سوف تكون محط أنظار المراقبين السياسين والمحللين للاهتمام والحفاوة بالزيارة من قبل حكومة حزب بهارتيا جاناتا،الذي تربطه علاقات متينة مع تل أبيب، برئاسة ناريندر مودي الذي كان أول رئيس وزراء هندي يزور اسرائيل العام الفائت. ويعود الفضل بذلك لدور السفارة الاسرائيلية والوفود التي تعاقبت في الزيارة المتبادلة على مدى السنوات الماضية .
على الجانب الاخر لايمكننا ان ننكر العلاقات المتينة بين الهند والعالم العربي القديمة قدم التاريخ .فدول الخليج تستضيف قرابة 8 مليون هندي بايرادات تصل إلى 75 مليار دولار سنويا” ترسل للهند وتستقبل دول الخليج 14 مليون هندي سنويا” ، كما توفر للهند حاجياتها من الطاقة ومشتقاتها والهند تستقبل العديد من القادة والحكام العرب وتتبادل معهم الزيارات والخبراء .
ومع ذلك لم تنجح الدول العربية مجتمعة في بناء لوبي قوي لها في الهند وحتى انشاء مركز ثقافي ناهيك عن جمعيات صداقة و شح دعم الاعمال الخيرية في الهند .والجهود التي تبذل لانشاء جمعيات قلما تعلم بها وسائل الاعلام المحلية وتقتصر معرفتها على الدول المعنية وسفاراتها المتواجدة في الهند !غريب امرنا …
الصحافة الهندية تركز على النشاطات والمشاريع الزراعية والتنموية التي تنشط فيها الشركات والحكومة الاسرائيلية من معالجة المياه ومحاربة التصّحر وشحة المياه وغيرها من المشاريع التي تعود بالفائدة على البلدين … انهم يعرفون من اين تؤكل الكتف .
المكسب لهم والمأساة لنا… هم يزرعون لهم الصحراء و”ينورون العقول” ونحن نغسل دماغهم ونذكرهم بالحواري …
صفحات الصحف الهندية تركز على بازار الزواج من قاصرات مسلمات حيث يزور الهند المسّنين من دول الخليج للزواج من قاصرات مسلمات كثيرون منهن يقوم السماسرة واهالي الفتيات بتغيير شهادات الميلاد لزيادة أعمارهن وتزويجهن للمسّنين من بعض دول الخليج وعندما يقع البعض منهم في قفص العدالة تاخذ الصحافة دورها في تجنيد الرأي العام ضد هذه الظاهر البغيضة وحدث ولا حرج بعد ذلك …
اسرائيل وبقدرة النبي موسى عليه السلام ،اكتشفت قبيلة يهودية تعيش في ولاية ميزورام من الولايات الشمالية الشرقية من شبه القارة وبداتؤ بتهويدهم وتوفير الهجرة لهم إلى اسرائيل …نحن اكشتفنا ان عطر العود متوفر في الهند ….
أضف إلى ذلك نشاطات منظمات اسلامية وجمعيات وبعثات التكفير لخلق الفوضى والنزاع الطائفي وتوسيع رقعة الخلافات بين الطوائف الهندية والسعي إلى نشر الفكر الوهابي والسلفي المتشدد لخلق انشقاقات داخل المسلمين الهنود الذين يعرف عنهم الطيبة والمعرفة والاعتدال والايمان الصادق. الأسوأ من ذلك أن أكثر المتطرفين من المسلمين الهنود الذين يقومون بأعمال تخريبية في الهند او التحقوا بتنظيم داعش الارهابي ، لديهم ارتباطات مباشرة بإحدى دول الخليج ومصادر التمويل باتت معروفة لدى الأجهزة الأمنية الهندية ناهيك عن أكياس الدولارات التي ترافق رجال الدين تحت عباءاتهم لتوزيعها على بعض الأئمة المرتشين لنشر الفكر المتطرف وسط المسلمين الهنود الفقراء وذهب البعض على على مشاركة المنصة مع متهمين دوليين القيام بأعمال إرهابية ضد الهند ” عن طريق الخطأ”… أين هم وأين نحن؟
الهند ماضية في تعزيز علاقاتها مع جميع دول العالم ضمن سياسة اللا الانحياز لأحد وإن كانت المخاوف تزداد ان تكون على حساب العلاقات الهندية العربية أو الهندية الفلسطينية على وجه التحديد ولم لا طالما أن الأجواء العربية والتطبيع العلني من قبل بعض المشيخات مع إسرائيل ،يشجع اللوبي الموالي للولايات المتحدة واسرئيل في الهند يشجع نيودلهي للميول اكثر نحو السياسة الأمريكية. ونيودلهي ، بالمناسبة،لم تعد تنظر إلى مواقف الدول العربية مجتمعة، كما يظن البعض، بل كل دولة على حدة في ظل الخلافات العربية العربية والانقسامات والحروب المفتعلة .