د. وائل عوّاد
إذا كانت الحقبة الاستعمارية هي المسؤولة عن التباعد الجيوسياسي الطبيعي بين الهند وإيران بعد الانقسام في شبه القارة الهندية إلا هذا التباعد يجب ألا يكون ضحية الاستعمار بل تقع المسؤولية على قادة الدول لرفض ما خلفته الحقبة الاستعمارية والبحث عن سبل للتعاون والتقارب بين الدول بما فيه مصلحة الشعوب .قد يبدو ذلك أقرب إلى الفلسفة والرغبة المتبادلة بين شعبي البلدين عندما يكون الحديث عن العلاقات الهندية الايرانية التي شهدت ازدهارا” ومن ثم انخفاضا” على مدى العقود الماضية منذ الاستقلال . الهند كانت من الدول المؤسسة لحركة دول عدم الانحياز بينما إيران الشاه كانت ضمن التحالف الأمريكي البريطاني (حلف بغداد/سينتو).ومع ذلك حافظت الهند وإيران على علاقات طيبة وحميمة . بعد سقوط الشاه و تأسيس الدولة الاسلامية الإيرانية ، سارعت الدول الغربية والولايات المتحدة إلى إنشاء نظام متشدد في أفغانستان ودعمت حركة طالبان وتنظيم القاعدة وشجعت على ثقافة الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان .
صعود حركة طالبان وتنظيم القاعدة زاد من التقارب بين الهند وايران لدعم التحالف الشمالي الذي كان يقوده الزعيم الراحل احمد شاه مسعود .وبعد اسقاط حكومة حركة طالبان في افغانستان بدات دول الجوار بالبحث عن آلية للتفاهم لانهاء النزاع حول افغانستان وايقاف تمدد الحركات والمنظمات الارهابية المسلحة .
مع سقوط نظام الشاه بدأ العداء الأمريكي ضد الحكومة الاسلامية الايرانية ومحاولة عزلها جغرافيا” واقتصاديا” وسياسيا” ومارست ضغوطا” على نيودلهي للتخفيف من شراء النفط الإيراني وسارعت الدول الخليجية بالتوافد إلى العاصمة الهندية لإقناع الجانب الهندي بتعويضها من النفط الإيراني من خلال زيادة مبيعاتها من النفط الخليجي للهند. وكان هناك مشروع مد أنبوب غاز من إيران إلى الهند عبر باكستان لكن الولايات المتحدة عارضته والهند طالبت بضمانات من باكستان .تدريجيا” ،تحولت إبران من المرتبة الثالثة للدول المصدرة للنفط للهند إلى المرتبة ال12 . وشهدت العلاقات نوعا” من الفتور وواجهت كلا البلدين صعوبات في دفع مبيعات النفط والتبادل التجاري بسبب العقوبات الأمريكية الأوروبية على البنوك الإيرانية وعارضت الولايات المتحدة حتى فتح بنوك إيرانية في الهند ، حتى أن واشنطن طلبت اعتذارا” من شركة تويوتا لبيعها سيارة لدبلوماسي إيراني في الهند.
التحديات الجيوسياسية والضغوط الدولية
حاولت الهند ان تحافظ على توازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج من جهة وعلاقاتها مع إيران من جهة ثانية وبذلت جهودا” لإقناع هذا التحالف المعادي لإيران بحاجة الهند الماسة لدخول أسواق دول آسيا الوسطى وأفغانستان دون العبور من باكستان التي تعتبرها العدو اللدود وتتهمها بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم الأعمال الارهابية في الهند.وبالفعل عقدت اتفاقيات مع طهران لبناء ميناء شاباهار الإيراني لنقل البضائع إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وتم إكمال المرحلة الاولى من بناء الميناء وتوجت الهند اكتمال المرحلة الأولى بنقل 15000 من المواد الغذائية لأفغانستان في أكتوبر تشرين الأول العام الفائت .
انعكس الانحسار الاقتصادي العالمي سلبيا” على الأمن والاستقرار في العديد من الدول وزاد من نسبة البطالة وارتفاع السعاد وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء مما سبب باضطرابات اجتماعية في العديد من دول العالم والهند وإيران ليست مستثنيات ولذلك يبحث كل طرف عن أسواق جديدة وتوفير فرص للاستثمارات الأجنبية المباشرة .
و لهذا فإن الهند وايران تسعيان من خلال هذه الزيارة للرئيس روحاني إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية وإبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعسكرية وكذلك التعامل النقدي بالعملات المحلية لتجنب العقوبات المفروضة على البنوك الايرانية وإقامة مشاريع تنموية مشتركة .
بات الصراع على الغاز والنفط في دول آسيا الوسطى مكشوفا” بين القوى العظمى التي بدأت تتدخل في شؤون الدول بحجة محاربة الإرهاب وتقيم القواعد العسكرية .وتحولت أفغانستان إلى مسرح لهذا الصراع وملاذ آمن للتنظيمات المتطرفة وحتى تنظيم داعش الإرهابي وجد قدما” له هناك .
زادت واشنطن من ضغوطها على طهران وباتت بعض المناطق في افغانستان وباكستان وكردستان العراق مراكز تدريب للحركات المناهضة للحكومة الايرانية بمساعدة بعض الدول الخليجية وتل ابيب لزعزعة النظام الإيراني .
كما كشفت مصادر اسرائيلية عن تقارب اسرائيلي سعودي امريكي لانشاء تحالف معاد لإيران وحلفائها في المنطقة . نيودلهي على علم بهذه التحديات خاصة بعد زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي للهند والجولة العربية التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والزيارات المرتقبة لملك الاردن والملك السعودي .ناهيك عن اللقاءات والاستشارات الامريكية الهندية حول القضايا الاقليمية والتعاون الامني والاستخباراتي .ومما زاد من تعقيد الموقف الهندي هو التقارب الصيني مع باكستان وأفغانستان وفتح ممر اقتصادي بين الدول الثلاث وكذلك زيادة مشاريعها في إيران في ظل التردد الهندي .
ومع زيادة التوتر مع جارتها باكستان والتقارب الأوروبي مع طهران،تجد الهند نفسها مضطرة لتعزيز علاقاتها مع إيران على الرغم من الضغوط التي تتعرض إليها باعتبار أنها نجحت في التقارب مع الدول العربية واسرائيل بنفس الوقت .إيران بدورها تتبع سياسة طول البال كحياكة السجّاد قد تستغرق وقتا” طويلا” لكنها مثمرة.وبدأت تغري الهند بأسواقها المفتوحة و الاستثمار في مصادر النفط والغاز على المدى الطويل وإلا سوف تفوت عليها الفرص لصالح غريمتها الصين .
ومع انسحاب القوات المقاتلة للولايات المتحدة وحلف الناتو من افغانستان والابقاء على قواعد عسكرية دائمة هناك ، فإن واشنطن تريد من الدول المجاورة لافغانستان ان تلعب دورا” أكثر فعالية( إن لم تكن تطمح إلى تقسيمها ) وباكستان تعارض أي دور للهند لان ذلك يهدد مصالحها القومية لكن الحكومة الافغانية عازمة على تعزيز علاقاتها مع الهند وإيران وهذا سيخفف من التباعد والتجافي بين الدول الثلاث ومن شأن هذا التقارب ان يجذب روسيا التي مازالت تتخوف من الارهاب عبر الحدود والتحديات الأمريكية لعزلها اقليميا” وعالميا” .ووصول الرئيس ترامب لرئاسة البيت الابيض قد تعرقل من هذا التقارب لكنها لن تستطيع منعه .
واخيرا” لابد من الاشارة ان العلاقات بين شعوب دول المنطقة قوية وحميمة على الرغم من الخلافات السياسية بين الحكام ومازلت اتذكر خلال سنوات الدراسة في الهند أن الطلبة الإيرانيين في اوائل السبيعينات والثمانينات كانوا في الصدارة من حيث التعداد واللغة الفارسية متداولة في العديد من المناطق الهندية خاصة وسط كبار السن .
فهل إرادة الشعوب اقوى من العوامل السياسية و قادرة على إعادة اللحمة ومواجهة التحديات معا” باعتبار أن مصيرها واحد في عالم جشع ؟